( فصل ) الفصل لغة : الحجز بين شيئين . ومنه فصل الربيع ; لأنه يحجز بين الشتاء والصيف . وهو في كتب العلم كذلك ; لأنه يحجز بين أجناس المسائل وأنواعها .
ولما كان موضوع علم أصول الفقه : الأدلة الموصلة إلى الفقه ، ولم يتقدم ما يدل على معنى الدليل ، ولا على ناصبه : أخذ في تعريف ذلك بقوله ( الدال : الناصب للدليل ) وهو الله سبحانه . قاله رضي الله تعالى عنه . وأن الدليل القرآن . وقيل : إن الدال والدليل بمعنى واحد . وعلى هذا القول أكثر المتأخرين . وإن " دليل " فعيل بمعنى فاعل ، كعليم وسميع ، بمعنى عالم وسامع . ( وهو ) أي الإمام أحمد ( لغة ) أي في اللغة ( المرشد ) يعني أنه يطلق على المرشد حقيقة ( و ) على ( ما ) يحصل ( به الإرشاد ) مجازا . فالمرشد هو الناصب للعلامة أو الذاكر لها . والذي يحصل به الإرشاد هو العلامة التي نصبت [ ص: 16 ] للتعريف ( و ) الدليل ( شرعا ) أي في اصطلاح علماء الشريعة ( ما ) أي الشيء الذي ( يمكن التوصل بصحيح النظر ) متعلق بالتوصل ، أي بالنظر الصحيح ، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ( فيه ) أي في ذلك الشيء ( إلى مطلوب خبري ) متعلق بالتوصل . والدليل
وقوله " خبري " أي تصديقي ، وإنما قالوا " ما يمكن " ولم يقولوا ما يتوصل ، للإشارة إلى أن المعتبر التوصل بالقوة ، لأنه يكون دليلا ، ولو لم ينظر فيه . وخرج بقوله : " ما يمكن " ما لا يمكن التوصل به إلى المطلوب كالمطلوب نفسه ، فإنه لا يمكن التوصل به إليه ، أو يمكن التوصل [ به ] إلى المطلوب لكن لا بالنظر كسلوك طريق يمكن التوصل بها إلى مطلوبه . وخرج بقوله " بصحيح النظر " فاسده ككاذب المادة في اعتقاد الناظر . وخرج بوصف " المطلوب الخبري " المطلوب التصوري ، كالحد والرسم . ويدخل في المطلوب الخبري ما يفيد القطع والظن . وهو مذهب أصحابنا ، وأكثر الفقهاء والأصوليين . والقول الثاني : أن ما أفاد القطع يسمى دليلا ، وما أفاد الظن يسمى أمارة . ويحصل المطلوب المكتسب بالنظر الصحيح في الدليل ( عقبه ) أي عقب النظر ( عادة ) أي في العادة . وعلى هذا القول أكثر العلماء ; لأنه قد جرت العادة بأن يفيض على نفس المستدل بعد النظر الصحيح مادة مطلوبه ، وصورة مطلوبه الذي توجه بنظره إلى تحصيله . والقول الثاني : أن المطلوب يحصل عقب النظر ضرورة . لأنه لا يمكن تركه . ( والمستدل ) هو ( الطالب له ) أي للدليل ( من سائل ومسئول ) قاله في العدة ، القاضي في التمهيد ، وأبو الخطاب في الواضح ، وذلك لأن السائل يطلب الدليل من المسئول ، والمسئول يطلب الدليل من الأصول . وابن عقيل
إذا علمت ذلك ( فالدال : الله تعالى ، والدليل : القرآن ، والمبين : الرسول ، والمستدل : أولو العلم ، هذه قواعد الإسلام ) قال ذلك الإمام رضي الله عنه وإنما أخر ذلك بعض المصنفين ، ليستدل به على صحة ما تقدم ذكره ، وتبركا بنص الإمام . وقوله " هذه قواعد الإسلام " قال في شرح التحرير : الذي يظهر أن [ ص: 17 ] معناه : أن قواعد الإسلام ترجع إلى الله تعالى ، وإلى قوله وهو القرآن ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلى علماء الأمة ، لم يخرج شيء من أحكام المسلمين والإسلام عنها . انتهى . ( والمستدل عليه ) أي على الشيء بكونه حلالا أو حراما ، أو واجبا ، أو مستحبا ( الحكم ) بذلك . ( و ) المستدل ( به ما يوجبه ) أي العلة التي توجب الحكم . أحمد
( والمستدل له ) أي لخلافه وقطع جداله ( الخصم ) وقيل : الحكم ( والنظر هنا ) أي في اصطلاح أهل الشرع ( فكر يطلب به ) أي بالفكر ( علم أو ظن ) وإنما قلت " هنا " لأن النظر له مسميات غير ذلك ( والفكر هنا حركة النفس من المطالب إلى المبادئ ورجوعها ) أي حركة النفس ( منها إليها ) أي من المبادئ إلى المطالب ، ويرسم الفكر بهذا المعنى بترتيب أصول حاصلة في الذهن ليتوصل بها إلى تحصيل غير الحاصل ، وقد يطلق على حركة النفس التي يليها البطن الأوسط من الدماغ المسمى بالدودة ، وتسمى في المعقولات فكرا ، وفي المحسوسات تخييلا ( والإدراك ) أي إدراك ماهية الشيء ( بلا حكم ) عليها بنفي أو إثبات ، ( تصور ) لأنه لم يحصل سوى صورة الشيء في الذهن ( وبه ) أي وبالحكم ، يعني ، أن تصور ماهية الشيء مع الحكم عليها بإيجاب أو سلب ( تصديق ) أي يسمى تصديقا . وقد ظهر من هذا أن التصور . إدراك الحقائق مجردة عن الأحكام ، وأن التصديق [ إدراك ] نسبة حكمية بين الحقائق بالإيجاب أو السلب وإنما سمي التصور تصورا لأخذه من الصورة ; لأن حصول صورة الشيء في الذهن وسمي التصديق تصديقا لأن فيه حكما يصدق فيه أو يكذب سمي بأشرف لازمي الحكم في النسبة فكل تصديق متضمن من مطلق التصور ثلاث تصورات : تصور المحكوم عليه ، والمحكوم به من حيث هما ، ثم تصور نسبة أحدهما للآخر ، فالحكم يكون تصورا رابعا ، لأنه تصور تلك النسبة موجبة ، أو تصورها منفية ، وكل من التصور والتصديق ضروري ونظري . والله أعلم .