( فصل ) ( العلم لا يحد في وجه ) قال بعضهم : لعسره ويميز بتمثيل وتقسيم . وقال بعضهم : لأنه ضروري . وقد علمت من خطبة الكتاب أني متى قلت عن شيء في وجه فالمقدم والمعتمد غيره . [ ص: 18 ] إذا تقرر هذا : فالصحيح عند أصحابنا ، والأكثر أنه يحد ، ولهم في حده عبارات . ( و ) المختار منها أن يقال : ( هو صفة يميز المتصف بها ) بين الجواهر والأجسام والأعراض ، والواجب والممكن والممتنع ( تمييزا جازما مطابقا ) أي لا يحتمل النقيض ( فلا يدخل إدراك الحواس ) لجواز غلط الحس ; لأنه قد يدرك الشيء لا على ما هو عليه كالمستدير مستويا ، والمتحرك ساكنا ونحوهما . ( ويتفاوت ) العلم على الأصح من الروايتين عن رضي الله تعالى عنه . إمامنا أحمد
قال في شرح التحرير : وهو الصحيح . وعليه الأكثر . قال ابن قاضي الجبل في أصوله : الأصح التفاوت ; فإنا نجد بالضرورة الفرق بين كون الواحد نصف الاثنين ، وبين ما علمناه من جهة التواتر ، مع كون اليقين حاصلا فيهما ( كالمعلوم ) أي كما تتفاوت المعلومات ( و ) كما يتفاوت ( الإيمان ) قال في شرح التحرير : وقال ابن مفلح في أصوله - في الكلام على الواجب - قال بعض أصحابنا - يعني به : الشيخ تقي الدين - والصواب : أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد . وعن رضي الله تعالى عنه في المعرفة الحاصلة في القلب في الإيمان : على تقبل التزايد والنقص ؟ روايتان . والصحيح من مذهبنا ومذهب جمهور أحمد أهل السنة : إمكان الزيادة في جميع ذلك . انتهى ثم اعلم أن العلم يطلق لغة وعرفا على أربعة أمور .
أحدها : إطلاقه حقيقة على ما لا يحتمل النقيض ، وتقدم . الأمر الثاني : أنه يطلق ( ويراد به مجرد الإدراك ) يعني سواء كان الإدراك ( جازما ، أو مع احتمال راجح ، أو مرجوح ، أو مساو ) على سبيل المجاز . فشمل الأربعة قوله تعالى ( { ما علمنا عليه من سوء } ) إذ المراد : نفي كل إدراك . الأمر الثالث : أنه يطلق ( و ) يراد به ( التصديق ، قطعيا ) كان التصديق ( أو ظنيا ) أما التصديق القطعي : فإطلاقه عليه حقيقة . وأمثلته كثيرة . وأما التصديق الظني : فإطلاقه عليه على سبيل المجاز . ومن أمثلته قوله تعالى ( { فإن علمتموهن مؤمنات } ) الأمر الرابع : أنه يطلق ( و ) يراد به ( معنى المعرفة ) ومن أمثلة ذلك قوله تعالى [ ص: 19 ] ( { لا تعلمهم نحن نعلمهم } ) وتطلق المعرفة ( ويراد بها ) العلم . ومنه قوله تعالى ( { مما عرفوا من الحق } ) أي علموا . ( و ) يراد العلم أيضا ( بظن ) يعني أن الظن يطلق ويراد به العلم . ومنه قوله تعالى ( { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم } ) أي يعلمون ( وهي ) أي المعرفة ( من حيث إنها علم مستحدث ، أو انكشاف بعد لبس أخص منه ) أي من العلم . لأنه يشمل غير المستحدث .
وهو علم الله تعالى . ويشمل المستحدث ، وهو علم العباد ( ومن حيث إنها يقين وظن أعم ) من العلم لاختصاصه حقيقة باليقيني . وقال جمع : إن المعرفة مرادفة للعلم . قال في شرح التحرير : فإما أن يكون مرادهم غير علم الله تعالى ، وإما أن يكون مرادهم بالمعرفة أنها تطلق على القديم ، ولا تطلق على المستحدث . والأول أولى . انتهى .
( وتطلق ) المعرفة ( على مجرد التصور ) الذي لا حكم معه ( فتقابله ) أي تقابل العلم . وقد تقدم أن العلم يطلق على مجرد التصديق الشامل لليقيني والظني .
وإذا أطلقت المعرفة على التصور المجرد عن التصديق : كانت قسيما للعلم ، أي مقابلة له . ( وعلم الله ) سبحانه وتعالى ( قديم ) لأنه صفة من صفاته ، وصفاته قديمة ( ليس ضروريا ولا نظريا ) بلا نزاع بين الأئمة ، أحاط بكل موجود ومعدوم على ما هو عليه ( ولا يوصف ) سبحانه وتعالى ( بأنه عارف ) قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين : علم الله تعالى لا يسمى معرفة . حكاه إجماعا . القاضي
انتهى ( وعلم المخلوق محدث وهو ) قسمان : قسم ( ضروري ) وهو ما ( يعلم من غير نظر ) كتصورنا معنى النار ، وأنها حارة . ( و ) قسم ( نظري ) وهو ما لا يعلم إلا بنظر ، وهو ( عكسه ) أي عكس الضروري . وقال الأكثر : الضروري ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه ، والنظري بخلافه . ثم اعلم أن حد العلم الضروري في اللغة : الحمل على الشيء ، والإلجاء إليه . وحده في الشرع : ما لزم نفس المكلف لزوما لا يمكنه الخروج عنه .