[ ص: 20 ] ( فصل ) لما كان العلم لا بد أن يتعلق بمعلوم ناسب أن نذكر في هذا الفصل طرفا من أحوال المعلوم . ولم يذكر ذلك في الأصل إلا في باب الأمر . ووجه المناسبة في ذكره هناك : أن القائل بأن الأمر عين النهي قال : لو لم يكن عينا لكان ضدا ، أو مثلا أو خلافا . إذا علمت ذلك : ف ( المعلومان : إما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ) كالوجود والعدم المضافين إلى معين واحد ( أو خلافان ، يجتمعان ويرتفعان ) كالحركة والبياض في الجسم الواحد ( أو ضدان لا يجتمعان ، ويرتفعان لاختلاف الحقيقة ) كالسواد والبياض لا يمكن اجتماعهما ، لأن الشيء لا يكون أسود أبيض في زمن واحد ، ويمكن ارتفاعهما مع بقاء المحل لا أسود ولا أبيض لاختلاف حقيقتهما ( أو مثلان لا يجتمعان ويرتفعان لتساوي الحقيقة ) كبياض وبياض ، ولا يخرج فرض وجود معلومين عن هذه الأربع صور .
ودليل الحصر : أن المعلومين : إما أن يمكن اجتماعهما أو لا ، فإن أمكن اجتماعهما فهما الخلافان كالحركة والبياض ، وإن لم يمكن اجتماعهما فإما أن يمكن ارتفاعهما أو لا . [ ف ] الثاني : النقيضان ، كوجود زيد وعدمه .
ووجود الحركة مع السكون ، والأول لا يخلو ، إما أن يختلفا في الحقيقة أو لا . [ ف ] الأول : الضدان ، كالسواد والبياض لاختلاف الحقيقة ، والثاني : المثلان كبياض وبياض ، لكن الخلافان قد يتعذر ارتفاعهما ، لخصوص حقيقة غير كونهما خلافين ، كذات واجب الوجود سبحانه مع صفاته ، وقد يتعذر افتراقهما ، كالعشرة مع الزوجية خلافان ويستحيل افتراقهما ، والخمسة مع الفردية ، والجوهر مع الألوان ، وهو كثير ، ولا تنافي بين إمكان الافتراق والارتفاع بالنسبة إلى الذات ، وتعذر الارتفاع [ والافتراق ] بالنسبة إلى أمر خارجي عنهما ، وهذا الذي ذكر كله في ممكن الوجود . أما الله سبحانه وتعالى وصفاته : فإنه لا يقال بإمكان رفع شيء منها ، لتعذر رفعه بسبب وجوب وجوده ( وكل شيئين حقيقتاهما إما متساويتان يلزم من وجود كل ) واحدة [ ص: 21 ] ( وجود الأخرى وعكسه ) يعني ويلزم من عدم كل واحدة منهما عدم الأخرى كالإنسان والضاحك بالقوة ، فإنه يلزم من وجود كل واحد منهما وجود الآخر ، ومن عدمه عدمه ، فلا إنسان إلا وهو ضاحك بالقوة ، ولا ضاحك بالقوة إلا وهو إنسان ، ونعني بالقوة كونه قابلا ولو لم يقع ، ويقابله الضاحك بالفعل ، وهو المباشر للضحك . ( أو ) إما ( متباينتان ، لا تجتمعان في محل واحد ) كالإنسان والفرس ، فما هو إنسان ليس بفرس ، وما هو فرس فليس بإنسان ، فيلزم من صدق أحدهما على محل عدم صدق الآخر . ( أو ) إما ( إحداهما أعم مطلقا ، والأخرى أخص مطلقا ، توجد إحداهما مع وجود كل أفراد الأخرى ) كالحيوان والإنسان ، فالحيوان أعم مطلقا لصدقه على جميع أفراد الإنسان ، فلا يوجد إنسان بدون حيوانية ألبتة . فيلزم من وجود الإنسان - الذي هو أخص - وجود الحيوان ، الذي هو أعم ، ( بلا عكس ) يعني : فلا يلزم من عدم الإنسان الذي هو أخص عدم الحيوان الذي هو أعم ; لأن الحيوان قد يبقى موجودا في الفرس وغيره ( أو ) إما ( كل واحدة منهما ) أي من الحقيقتين ( أعم من وجه وأخص من ) وجه ( آخر توجد كل ) واحدة من الحقيقتين ( مع الأخرى وبدونها ) أي وبدون الأخرى ، ومعنى ذلك : أنهما يجتمعان في صورة ، وتنفرد كل واحدة منهما عن الأخرى بصورة ، كالحيوان والأبيض فإن الحيوان يوجد بدون الأبيض في السودان ، ويوجد الأبيض بدون الحيوان في الثلج والقطن وغيرهما ، مما ليس بحيوان . ويجتمعان في الحيوان الأبيض . فلا يلزم من وجود الأبيض وجود الحيوان ، ولا من وجود الحيوان وجود الأبيض ، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر .
ففائدة هذه القواعد : الاستدلال ببعض الحقائق على بعض . والله أعلم