[
nindex.php?page=treesubj&link=25469_25468_25467ضمان إتلاف المال ]
المسألة الثانية : إتلاف المال ، فإن كان مما له حرمة كالحيوان والعبيد فليس له أن يتلف ماله كما أتلف ماله ، وإن لم تكن له حرمة كالثوب يشقه والإناء يكسره فالمشهور أنه ليس له أن يتلف عليه نظير ما أتلفه ، بل له القيمة ، أو المثل كما تقدم ، والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه كما فعله الجاني به ، فيشق ثوبه كما شق ثوبه ، ويكسر عصاه كما كسر عصاه إذا كانا متساويين ، وهذا من العدل ، وليس مع من منعه نص ولا قياس ولا إجماع ، فإن هذا ليس بحرام لحق الله ، وليست حرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف ، وإذا مكنه الشارع أن يتلف طرفه بطرفه فتمكينه من إتلاف ماله في مقابلة ماله هو أولى وأحرى ، وأن حكمة القصاص من التشفي ودرك الغيظ لا تحصل إلا بذلك ، ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلاف ثيابه ويعطيه قيمتها ، ولا يشق ذلك عليه لكثرة ماله ، فيشفي نفسه منه بذلك ، ويبقى المجني عليه بغبنه وغيظه ، فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه ودرك ثأره وبرد قلبه وإذاقة الجاني من الأذى ما ذاق هو ؟
فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة وقياسها معا يأبى ذلك وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } يقتضي جواز ذلك ، وقد صرح الفقهاء بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=8278_8277إحراق زروع الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا وهذا عين المسألة ، وقد أقر الله - سبحانه - الصحابة على قطع نخل
اليهود لما فيه من خزيهم ، وهذا يدل على أنه - سبحانه - يحب خزي الجاني الظالم ويشرعه ، وإذا جاز تحريق متاع الغال لكونه تعدى على المسلمين في خيانتهم في شيء من الغنيمة فلأن يحرق ماله إذا حرق مال المسلم المعصوم أولى وأحرى ، وإذا شرعت العقوبة المالية في حق الله الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى ، ولأن الله - سبحانه - شرع القصاص زجرا للنفوس عن العدوان ، وكان من الممكن أن يوجب الدية استدراكا لظلامة المجني عليه بالمال ، ولكن ما شرعه أكمل وأصلح للعباد ، وأشفى لغيظ المجني عليه ، وأحفظ للنفوس والأطراف ، وإلا فمن كان في نفسه من الآخر من قتله أو قطع طرفه - قتله أو قطع طرفه وأعطى ديته ، والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك ، وهذا بعينه موجود في العدوان على المال
[ ص: 248 ]
فإن قيل : فهذا ينجبر بأن يعطيه نظير ما أتلفه عليه .
قيل : إذا رضي المجني عليه بذلك فهو كما لو رضي بدية طرفه ، فهذا هو محض القياس ، وبه قال الأحمدان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية ، قال في رواية
موسى بن سعيد : وصاحب الشيء يخير ، إن شاء شق الثوب ، وإن شاء أخذ مثله .
[
nindex.php?page=treesubj&link=25469_25468_25467ضَمَانُ إتْلَافِ الْمَالِ ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إتْلَافُ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ حُرْمَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ كَمَا أَتْلَفَ مَالَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ كَالثَّوْبِ يَشُقُّهُ وَالْإِنَاءِ يَكْسِرُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ ، بَلْ لَهُ الْقِيمَةُ ، أَوْ الْمِثْلُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَظِيرِ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ الْجَانِي بِهِ ، فَيَشُقُّ ثَوْبَهُ كَمَا شَقَّ ثَوْبَهُ ، وَيَكْسِرُ عَصَاهُ كَمَا كَسَرَ عَصَاهُ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ ، وَهَذَا مِنْ الْعَدْلِ ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ مَنَعَهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا إجْمَاعٌ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ لِحَقِّ اللَّهِ ، وَلَيْسَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ ، وَإِذَا مَكَّنَهُ الشَّارِعُ أَنْ يُتْلِفَ طَرَفَهُ بِطَرَفِهِ فَتَمْكِينُهُ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَالِهِ هُوَ أَوْلَى وَأَحْرَى ، وَأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ مِنْ التَّشَفِّي وَدَرْكِ الْغَيْظِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ وَإِتْلَافِ ثِيَابِهِ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا ، وَلَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ ، فَيَشْفِي نَفْسَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ ، وَيَبْقَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِغَبْنِهِ وَغَيْظِهِ ، فَكَيْفَ يَقَعُ إعْطَاؤُهُ الْقِيمَةَ مِنْ شِفَاءِ غَيْظِهِ وَدَرْكِ ثَأْرِهِ وَبَرْدِ قَلْبِهِ وَإِذَاقَةِ الْجَانِي مِنْ الْأَذَى مَا ذَاقَ هُوَ ؟
فَحِكْمَةُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْبَاهِرَةِ وَقِيَاسُهَا مَعًا يَأْبَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=8278_8277إحْرَاقِ زُرُوعِ الْكُفَّارِ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ إذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا وَهَذَا عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الصَّحَابَةَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِ
الْيَهُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِزْيِهِمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ خِزْيَ الْجَانِي الظَّالِمِ وَيُشَرِّعُهُ ، وَإِذَا جَازَ تَحْرِيقُ مَتَاعِ الْغَالِّ لِكَوْنِهِ تَعَدَّى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي خِيَانَتِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَأَنْ يُحَرِّقَ مَالَهُ إذَا حَرَّقَ مَالَ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومَ أَوْلَى وَأَحْرَى ، وَإِذَا شُرِعَتْ الْعُقُوبَةُ الْمَالِيَّةُ فِي حَقِّ اللَّهِ الَّذِي مُسَامَحَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الشَّحِيحِ أَوْلَى وَأَحْرَى ، وَلِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - شَرَعَ الْقِصَاصَ زَجْرًا لِلنُّفُوسِ عَنْ الْعُدْوَانِ ، وَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُوجِبَ الدِّيَةَ اسْتِدْرَاكًا لِظِلَامَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ، وَلَكِنَّ مَا شَرَعَهُ أَكْمَلُ وَأَصْلَحُ لِلْعِبَادِ ، وَأَشْفَى لِغَيْظِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَأَحْفَظُ لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ ، وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْآخَرِ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ طَرَفِهِ - قَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ وَأَعْطَى دِيَتَهُ ، وَالْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ تَأْبَى ذَلِكَ ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْعُدْوَانِ عَلَى الْمَالِ
[ ص: 248 ]
فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا يَنْجَبِرُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ .
قِيلَ : إذَا رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِدِيَةِ طَرَفِهِ ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ ، وَبِهِ قَالَ الْأَحْمَدَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ
مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ : وَصَاحِبُ الشَّيْءِ يُخَيَّرُ ، إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَهُ .