فصل [ الحيل التي تعد من الكبائر ] : وأما فمثل قتل امرأته إذا قتل حماته وله من امرأته ولد ، والصواب أن هذه الحيلة لا تسقط عنه القود ، وقولهم : " إنه ورث ابنه بعض دم أبيه فسقط عنه القود " ممنوع ; فإن القود وجب عليه أولا بقتل أم المرأة ، وكان لها أن تستوفيه ، ولها أن تسقطه ، فلما قتلها قام وليها في هذه الحال مقامها بالنسبة إليها وبالنسبة إلى أمها ، ولو كان ابن القاتل ; فإنه لم يدل كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ميزان عادل على أن الولد لا يستوفي القصاص من والده لغيره . الحيل التي هي من الكبائر
وغاية ما يدل عليه الحديث أنه لا يقاد الوالد بولده ، على ما فيه من الضعف وفي حكمه من النزاع ، ولم يدل على أنه لا يقاد بالأجنبي إذا كان الولد هو مستحق القود ، والفرق بينهما ظاهر ; فإنه في مسألة المنع قد أقيد بابنه ، وفي هذه الصورة إنما أقيد بالأجنبي ، وكيف تأتي شريعة أو سياسة عادلة بوجوب القود على من قتل نفسا بغير حق فإن عاد فقتل نفسا أخرى بغير حق وتضاعف إثمه وجرمه سقط عنه القود ، بل لو قيل بتحتم قتله ولا بد إذا قصد هذا كان أقرب إلى العقول والقياس .
فصل ومن تمكين المرأة ابن زوجها من نفسها لينفسخ نكاحها حيث صارت موطوءة ابنه ، وكذا بالعكس ، أو وطأه حماته لينفسخ نكاح امرأته ، مع أن هذه الحيلة لا تتمشى إلا على قول من يرى أن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا كما تثبت بالنكاح كما يقوله الحيل المحرمة التي يكفر من أفتى بها أبو حنيفة في المشهور من مذهبه . وأحمد
والقول الراجح أن ذلك لا يحرم كما هو قول وإحدى الروايتين عن الشافعي ; فإن التحريم بذلك موقوف على الدليل ، ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح ، وقياس السفاح على النكاح في ذلك لا يصح لما بينهما من الفروق ، والله تعالى جعل الصهر قسيم النسب ، وجعل ذلك من نعمه التي امتن بها على عباده ، فكلاهما من نعمه وإحسانه ; فلا يكون الصهر من آثار الحرام وموجباته كما لا يكون النسب من آثاره ، بل إذا كان النسب الذي هو [ ص: 191 ] أصل لا يحصل بوطء الحرام فالصهر الذي هو فرع عليه ومشبه به أولى ألا يحصل بوطء الحرام ، وأيضا فإنه لو ثبت تحريم المصاهرة لا تثبت المحرمية التي هي من أحكامه ، فإذا لم تثبت المحرمية لم تثبت الحرمة ، وأيضا فإن الله تعالى إنما قال : { مالك وحلائل أبنائكم } ومن زنى بها الابن لا تسمى حليلة لغة ولا شرعا ولا عرفا ، وكذلك قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } إنما المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح ، ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط ، ولا الوطء المجرد عن عقد .
وقد تناظر هو وبعض الشافعي العراقيين في هذه المسألة ونحن نذكر مناظرته بلفظها .