[ إبطال حيلة لتصحيح المزارعة مع القول بفسادها ] : ومن الحيل الباطلة ، بأن التحيل على تصحيح المزارعة لمن يعتقد فسادها ، ويحفظه ويسقيه ويحصده ويذريه ، فإذا فعلا ذلك أخرج البذر منهما نصفين نصفا من المالك ونصفا من المزارع ، ثم خلطاه ، فتكون الغلة بينهما نصفين ، فإن أراد صاحب الأرض أن يعود إليه ثلثا الغلة آجره ثلث الأرض مدة معلومة على أن يزرع له مدة الإجارة ثلثي الأرض ويخرجان البذر منهما أثلاثا ويخلطانه ، وإن أراد المزارع أن يكون له ثلثا البذر استأجر ثلثي الأرض بزرع الثلث الآخر كما تقدم . يدفع الأرض إلى المزارع ويؤجره نصفها مشاعا مدة معلومة يزرعها ببذره على أن يزرع للمؤجر النصف الآخر ببذره تلك المدة
فتأمل هذه الحيلة الطويلة الباردة المتعبة ، وترك الطريق المشروعة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنها رأي عين ، واتفق عليها الصحابة ، وصح فعلها عن الخلفاء الراشدين صحة لا يشك فيها ، كما حكاه في صحيحه ، فما مثل هذا العدول عن طريقة القوم إلى هذه الحيلة الطويلة السمجة إلا بمنزلة من أراد الحج من البخاري المدينة على الطريق التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقيل له : هذه الطريق مسدودة ، وإذا أردت أن تحج فاذهب إلى الشام ثم منها إلى العراق ، ثم حج على درب العراق وقد وصلت .
فيا لله العجب ، كيف تسد عليه الطريق القريبة السهلة القليلة الخطر التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويدل على الطرق الطويلة الصعبة المشقة الخطرة التي لم يسلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ؟
فلله العظيم عظيم حمد كما أهدى لنا نعما غزارا
وهذا شأن جميع الحيل إذ كانت صحيحة جائزة ، وأما إذا كانت باطلة محرمة فتلك لها شأن آخر ، وهي طريق إلى مقصد آخر غير الكعبة البيت الحرام وبالله التوفيق .