فصل [ حديث حين بعثه الرسول إلى معاذ اليمن ]
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله ، فقال معاذا : حدثني شعبة أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب { معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى معاذ اليمن قال : كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم } . فهذا [ ص: 155 ] حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب عن فلا يضره ذلك ; لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به معاذ الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب لا واحد منهم ، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي ، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح ، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم ، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك ، كيف معاذ حامل لواء هذا الحديث ؟ وقد قال بعض أئمة الحديث : إذا رأيت وشعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به ، قال شعبة أبو بكر الخطيب : وقد قيل إن رواه عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم ، وهذا إسناد متصل ، ورجاله معروفون بالثقة ، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به ، فوقفنا بذلك على صحته عندهم ، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { معاذ } ، وقوله في البحر { لا وصية لوارث } ، وقوله : { ، هو الطهور ماؤه الحل ميتته } ، وقوله : { إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع } ، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ، فكذلك حديث الدية على العاقلة لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له ، انتهى كلامه . معاذ
وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه . للحاكم أن يجتهد رأيه