[ ] الصحابة فتحوا باب القياس والاجتهاد
فالصحابة رضي الله عنهم مثلوا الوقائع بنظائرها ، وشبهوها بأمثالها ، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها ، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد ، ونهجوا لهم طريقه ، وبينوا لهم سبيله ، وهل يستريب عاقل في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال { } ، إنما كان ذلك ; لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه ، ويمنعه من كمال الفهم ، ويحول بينه وبين استيفاء النظر ، ويعمي عليه طريق العلم والقصد ، فمن قصر النهي على الغضب وحده دون الهم المزعج والخوف المقلق والجوع والظمأ الشديد وشغل القلب المانع من الفهم فقد قل فقهه وفهمه ، والتعويل في الحكم على قصد المتكلم ، والألفاظ لم تقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني ، والتوصل بها إلى معرفة مراد المتكلم ، ومراده يظهر من عموم لفظه تارة ، ومن عموم المعنى الذي قصده تارة ، وقد يكون فهمه من المعنى أقوى ، وقد يكون من اللفظ أقوى ، وقد يتقاربان كما إذا قال الدليل لغيره : لا تسلك الطريق فإن فيها من يقطع الطريق ، أو هي معطشة مخوفة علم هو وكل سامع أن قصده أعم من لفظه ، وأنه أراد نهيه عن كل طريق هذا شأنها ; فلو خالفه وسلك طريقا أخرى عطب بها حسن لومه ، ونسب إلى مخالفته ومعصيته ، ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن : لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض ، لفهم كل عاقل منه أن لحم الإبل والبقر كذلك ، ولو أكل منهما لعد مخالفا ، والتحاكم في ذلك إلى فطر الناس وعقولهم ، ولو من عليه غيره بإحسانه فقال : والله لا أكلت له لقمة ، ولا شربت له ماء ، يريد خلاصه من منته عليه ، ثم قبل منه الدراهم والذهب والثياب والشاة ونحوها لعده العقلاء واقعا فيما هو أعظم مما حلف عليه ، ومرتكبا لذروة سنامه ; ولو لامه عاقل على كلامه لمن لا يليق به محادثته من امرأة أو صبي فقال : والله لا كلمته ، ثم رآه خاليا به يواكله ويشاربه ويعاشره ولا يكلمه لعدوه مرتكبا لأشد مما حلف عليه وأعظمه . لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان
وهذا مما فطر الله عليه عباده ; ولهذا فهمت الأمة من قوله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ، جميع وجوه الانتفاع من اللبس والركوب والمسكن وغيرها .