ليحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات . وينقسم إلى : تام ، وناقص . فالتام : إثبات الحكم في جزئي لثبوته في الكلي على الاستغراق . وهذا هو القياس المنطقي المستعمل في العقليات . وهو حجة بلا خلاف . ومثاله : كل صلاة فإما أن تكون مفروضة أو نافلة ، وأيهما كان فلا بد وأن تكون مع الطهارة . فكل صلاة فلا بد وأن تكون مع طهارة . وهو يفيد القطع ، لأن الحكم إذا ثبت لكل فرد من أفراد شيء على التفصيل فهو لا محالة ثابت لكل أفراده على الإجمال . والناقص : إثبات الحكم في كلي لثبوته في أكثر جزئياته من غير احتياج إلى جامع . وهو المسمى في اصطلاح الفقهاء ب ( الأعم الأغلب ) . وهذا النوع اختلف فيه ، والأصح أنه يفيد الظن الغالب ، ولا يفيد القطع . الاستقراء وهو تصفح أمور جزئية
[ ص: 7 ] لاحتمال تخلف بعض الجزئيات عن الحكم ، كما يقال : التمساح يحرك الفك الأعلى عند المضغ . فإنه يخالف سائر الحيوانات في تحريكها الأسفل . واختاره من المتأخرين صاحب الحاصل " والمنهاج " والهندي . ومنهم من رده بأن معرفة جميع الجزئيات مما يعسر الوقوف عليها ، فلا يوثق به إلا إذا تأيد الاستقراء بالإجماع . واختاره الرازي فقال : الأظهر أنه لا يفيد الظن إلا بدليل منفصل ، ثم بتقدير الحصول يكون حجة . واقتضى كلامه أن الخلاف إنما هو في أنه هل يفيد الظن أم لا ؟ لا في أن الظن المستفاد منه هل يكون حجة أم لا ؟ . والمذهب الأول ، ولهذا لما علمنا اتصاف أغلب من في دار الحرب أو وصفهم بالكفر غلب على ظننا أن جميع من نشاهده منهم كذلك ، حتى جاز لنا استرقاق الكل ورمي السهام إلى جميع من في صفهم . ولو لم يكن الأصل ما ذكرنا لما جاز ذلك . وقد احتج بالاستقراء في مواضع كثيرة ، كعادة الحيض بتسع سنين ، وفي أقله وأكثره ، وجرى عليه الأصحاب وقالوا : فلو وجدنا المرأة تحيض أو تطهر أقل من ذلك فهل يتبع ؟ فيه أوجه : أحدها : نعم ، وبه أجاب الشافعي الأستاذ أبو إسحاق . وقد تختلف العادات باختلاف الأهوية والأعصار . وأصحها : لا عبرة به ، لأن الأولين أعطوا البحث حقه ، فلا يلتفت إلى خلافه . والثالث : إن وافق ذلك مذهب واحد من السلف صرنا إليه ، وإلا فلا .
[ ص: 8 ] وقال في المستصفى " : التام يصلح للقطعيات وغير التام لا يصلح إلا للفقهيات ، لأنه مهما وجد الأكثر على نمط ، غلب على الظن أن الآخر كذلك . .