الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة يجوز خلو العصر عن المجتهد عند الأكثرين وجزم به في المحصول " وقال الرافعي : الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم ولعله أخذه من الإمام الرازي ، أو من قول الغزالي في الوسيط " : قد خلا العصر عن المجتهد المستقل ونقل الاتفاق فيه عجيب ، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة ، وساعدهم بعض أئمتنا ، والحق أن الفقيه الفطن القياس كالمجتهد في حق العامي ، لا الناقل فقط وقالت الحنابلة : لا يجوز خلو العصر عن مجتهد ، وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت " فقال الأستاذ : وتحت قول الفقهاء : لا يخلي الله زمانا من قائم بالحجة ، أمر عظيم ، وكأن الله تعالى ألهمهم ذلك ومعناه أن الله تعالى لو خلى زمانا من قائم بحجة زال التكليف ، إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة وإذا زال التكليف بطلت الشريعة وقال الزبيري : لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان ، ولكن ذلك قليل في كثير ، فأما أن يكون غير موجود - كما قال الخصم - فليس بصواب ، لأنه لو عدم الفقهاء لم تقم الفرائض كلها ، ولو عطلت الفرائض كلها لحلت النقمة بذلك في الخلق ، كما جاء في الخبر : { لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس } ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار . انتهى .

                                                      [ ص: 241 ] وقال ابن دقيق العيد : هذا هو المختار عندنا ، لكن إلى الحد الذي ينتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان وقال في شرح خطبة الإلمام " : والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة ، والأمة الشريفة لا بد لها من سالك إلى الحق على واضح المحجة ، إلى أن يأتي أمر الله في أشراط الساعة الكبرى ، ويتتابع بعده ما بقي معه إلى قدوم الأخرى ومراده بالأشراط الكبرى : طلوع الشمس من مغربها مثلا ، وله وجه حسن ، وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ ، وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية وقال والده العلامة مجد الدين في كتابه تلقيح الأفهام " : عز المجتهد في هذه الأعصار ، وليس ذلك لتعذر حصول آلة الاجتهاد ، بل لإعراض الناس في اشتغالهم عن الطريق المفضية إلى ذلك وتوقيف الفتيا على حصول المجتهد يفضي إلى حرج عظيم فالمختار قبول فتوى الراوي عن الأئمة المتقدمين كما سيأتي .

                                                      وقال جده الإمام تقي الدين أبو العز المقترح ، معترضا على قول إمام الحرمين : " لا يجوز انحطاط العلماء " : إن أراد المجتهدين فلا يصح ، لأنه يجوز ذلك في العادة ، وزماننا هذا قد يشغر منهم وإن أراد به النقلة فهذا يتجه ، فإن العادة لم تقض بانحطاطهم والدواعي تتوفر على نقل الأحاديث ولفظ المذاهب ونقل القرآن نعم ، إن فترت الدواعي وقلت الهمم فيجوز شغور الزمان عنهم ، ولم يوجد ذلك ، انتهى وأما قول الغزالي : وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين ، فقيل : المراد مجتهد قائم بالقضاء ، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ، ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبرة : تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي ؟ وقال ، هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين : لسنا مقلدين للشافعي ، بل وافق رأينا رأيه فماذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد ولم يختلف اثنان أن [ ص: 242 ] ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد ، كما قاله ابن الرفعة والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق ، لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب ، وحينئذ فلا يجوز العمل بغيرها ، فلا يجوز أن يقع الاجتهاد إلا فيها .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية