الثالث : أنه ترد نحو { صيغة الخبر للأمر والوالدات يرضعن } وهو مجاز ، والعلاقة فيه ما يشترك كل واحد منها في تحقيق ما تعلق به ، وكذا الخبر بمعنى النهي نحو { } نعم هاهنا بحث دقيق أشار إليه لا تنكح المرأة المرأة ابن دقيق العيد في شرح العنوان " وهو أنه إذا ورد الخبر بمعنى الأمر فهل يترتب عليه ما يترتب على الأمر من الوجوب إذا قلنا : الأمر للوجوب ، أو يكون ذلك مخصوصا بالصيغة المعنية وهي صيغة " افعل " ؟ ولم يرجح شيئا . وهذا البحث قد دار بين الشيخين ابن تيمية وابن الزملكاني في مسألة الزيارة ، فادعى ابن تيمية أنه لا فرق وجعل قوله صلى الله عليه وسلم : { } في معنى النهي ، والنهي للتحريم كما أن الأمر للوجوب ، ونازعه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث ابن الزملكاني وقال : هذا محمول على الأمر بصيغة " افعل " وعلى النهي بصيغة " لا تفعل " ; إذ هو الذي يصح دعوى الحقيقة فيه ، وأما ما كان موضوعا حقيقة لغير الأمر والنهي ، ويفيد معنى أحدهما كالخبر بمعنى الأمر ، والنفي بمعنى النهي فلا يدعى فيه أنه حقيقة في وجوب ، ولا تحريم ; لأنه يستعمل في غير موضعه إذا أريد به الأمر أو النهي ، فدعوى كونه حقيقة في إيجاب أو تحريم ، وهو موضوع لغيرهما مكابرة .
[ ص: 295 ] قال : وهذا موضع يغلط كثير من الفقهاء ويغترون بإطلاق الأصوليين ويدخلون فيه كل ما أفاد نهيا أو أمرا ، والمحقق الفاهم يعرف المراد ويضع كل شيء في موضعه . قلت : صرح في كتابه بهذه المسألة وألحقه بالأمر ذي الصيغة . قال : ومن الدليل على أن معناه الأمر والنهي دخول النسخ فيه ، والأخبار المحضة لا يلحقها النسخ ، ولأنه لو كان خبرا لم يوجد خلافه . قال : ومن هذا الباب عند أصحابنا قوله تعالى : { القفال الشاشي لا يمسه إلا المطهرون } . وقال بعضهم : " لا " إذا كانت نافية أبلغ في الخطاب من النهي ; لأن النهي يتضمن أن الحكم قد كان قارا قبل وروده ، والنفي يتضمن الإخبار عن حالته . وأنها كانت منفية ، فلم تكن ثابتة قبل ذلك . وهاهنا فوائد إحداها : في وفوائد : منها : أن العدول عن صيغة الطلب إلى صيغة الخبر ، فإن الأمر لا يتناول إلا فعلا حادثا فإذا أمر بالشيء بلفظ الخبر آذن ذلك بأن هذا المطلوب في وجوب فعله ولزومه بمنزلة ما قد حصل وتحقق ، فيكون ذلك أدعى إلى الامتثال ، ومنها : أن الحكم المخبر به يؤذن باستقرار الأمر وثبوته على حدوثه وتجدده . فإذا جيء بصيغة الخبر علم أنه أمر ثابت مستقر وانتفى احتمال الاستحباب . ومنها : أن صيغة الأمر وإن دلت على الإيجاب فقد يحتمل الاستحباب خطاب وضع ، وأخبار ، وهو جعل الشيء [ ص: 296 ] سببا وشرطا ومانعا ، وهذا من النوع فإن الطلاق سبب لوجوب العدة ، فإذا جيء بصيغة الخبر كان فيه دلالة على أنه من قبيل خطاب الوضع والأخبار الممتازة عن سائر خطاب التكليف ، ويوضح هذا أن الأحكام قسمان ثبت حكم العدة في حقها وإن لم تكن مكلفة . الثانية : المطلقة لو كانت مجنونة في مثل { الخبر الذي هو مجاز عن الأمر والوالدات يرضعن } هل هو مجموع المبتدإ والخبر ، أو خبر المبتدأ وحده ؟ كلام صاحب الكشاف يميل إلى الثاني ، وأن المعنى والوالدات ليرضعن ، وبعضهم إلى الأول ; لأن خبر المبتدأ لا يكون جملة إنشائية .