فصل في معرفة تفضيل بعض الموجودات الحادثات على بعض الجواهر والأجسام الأجسام كلها متساوية من جهة ذواتها ، وإنما يفضل بعضها على بعض بصفاتها وأعراضها وأنسابها إلى الأوصاف الشريفة والأفعال النفيسة .
والفضائل ضربان : أحدهما فضائل الجمادات كفضل الجوهر على الذهب وفضل الذهب على الفضة ، وفضل الفضة على الحديد ، وفضل الأنوار على الظلمات ، وفضل الشفاف على غير الشفاف ، وفضل اللطيف على الكثيف ، والنير على المظلم ، والحسن على القبيح . [ ص: 231 ]
الضرب الثاني فضائل الخيرات وهي أقسام :
أحدها : حسن الصورة .
والثاني : قوى الأجسام ، كالقوى الحادثة والممسكة والدافعة والغاذية ، والقوى على الجهاد والقتال وحمل الأعباء والأثقال .
الثالث : الصفات الداعية إلى الخيور ، والوازعة عن الشرور : كالغيرة والنخوة والحياء والشجاعة والحلم والأناة والسخاء .
الرابع : العقول .
الخامس : الحواس .
السادس : العلوم المكتسبة وهي أقسام :
أحدها : معرفة وجود الإله وصفاته الذاتية والسلبية والعقلية .
الثاني : معرفة إرسال الرسل وإنزال الكتب وتنبيه الأنبياء .
الثالث : معرفة ما شرعه الله من الأحكام الخمسة وأسبابها وشرائعها وتوابعها .
السابع : الأحوال الناشئة عما ذكره من المعارف .
الثامن : القيام بطاعة الله في كل ما أمر به ونهى عنه .
التاسع : ما رتبه الله على هذه المعارف والأحوال والطاعات من لذات الآخرة وأفراحها بالنعيم الروحاني : كلذة الأمن من عذاب الله ، والأنس بقربه وجواره ، وسماعه وكلامه ، وتبشيره بالرضا الدائم ، وكذلك النظر إلى وجهه الكريم مع الخلاص من عذابه الأليم .
فهذه فضائل بعضها أفضل من بعض فمن اتصف بأفضلها كان من أفضل البرية ، ولا شك أن ولذات رضاه والنظر إلى وجهه الكريم أفضل مما عداهن ، وأفضل الملائكة من قام به أفضل هذه الصفات ، فإن تساوى اثنان من الملائكة في ذلك لم يفضل أحدهما على الآخر [ ص: 232 ] معرفة الله ومعرفة صفاته
وإن كان أفضل منه ، وإن فضل الملك على البشر بشيء من ذلك كان أفضل منه ، والفضل منحصر في أوصاف الكمال ، والكمال إنما يكون بالمعارف والطاعات والأحوال . فضل البشر على الملك بشيء من ذلك
أما بالأفراح واللذات فإنه أحسن إلى أجساد الأنبياء والأولياء بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وأحسن إلى أرواحهم بالمعارف الكاملة والأحوال المتوالية ، وأذاقهم لذة النظر إليه وسرور رضاه عنهم وكرامة تسليمه عليهم فمن أين للملائكة مثل هذا ؟