اعلم أن من أنعم الله عليه وأحسن إليه وفقه لطاعته ونيل مثوبته ، ومن خذله أبعده بمعصيته وعقوبته ، فمصالح الآخرة الحصول على الثواب ، والنجاة من العقاب ، ومفاسدها الحصول على العقاب وفوات الثواب ، ويعبر عن ذلك كله بالمصالح الآجلة ، والمقصود من العبادات كلها إجلال الإله وتعظيمه ومهابته والتوكل عليه والتفويض إليه . وكفى بمعرفته ومعرفة صفاته شرفا ، والآخرة وهي أفضل من كل ثواب يقع عليها ما عدا النظر إلى وجهه الكريم .
[ ص: 73 ] وأما مصالح الدنيا فما تدع إليه الضروريات أو الحاجات والتتمات والتكملات .
وأما مفاسدها ففوات ذلك بالحصول على أضداده ، ويعبر عن ذلك كله بالمصالح العاجلة ، وقد ندب الرب إلى الإكثار من المصالح الأخروية على قدر الاستطاعات ، وندب إلى الاقتصار في المصالح الدنيوية على ما تمس إليه الضرورات والحاجات ، فرغب الأغنياء الأشقياء في تكثير ما أمر بتقليله وفي تقليل ما أمر بتكثيره فسخط عليهم وأشقاهم ، وأبعدهم وأقصاهم وقد قال في أكثرهم : { بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى } ورغب الأنبياء في الاقتصار على الكفاف من الأعراض الدنيوية ، وفي الإكثار من التسبب في المصالح الأخروية ، فقربهم الرب إليه وأزلفهم لديه فرضي عنهم وأرضاهم ، وأسعدهم وتولاهم ، فيا شقوة من آثر الخسيس الفاني على النفيس الباقي ، ويا غبطة من أرضى مولاه وآثر أخراه على أولاه فلمثل ذلك فليعمل العاملون ، وفيه فليتنافس المتنافسون .