[ ص: 307 ] التفسير: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان الضمير في (واتبعوا) لليهود، قيل: يعني به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان، عن ابن زيد، وغيرهما. والسدي،
وقيل: الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن وغيره. ابن عباس،
وقيل: الجميع.
ومعنى (تتلو): تتبع، عن ابن عباس، تقرأ. عطاء:
(على ملك سليمان) أي: على عهد ملك سليمان، وقيل: سليمان . المعنى: في ملك
وما كفر سليمان تكذيب لليهود، ورد عليهم في إضافتهم السحر إلى سليمان، وزعمهم أن ملكه قام به.
وما أنـزل على الملكين ببابل هاروت وماروت اختلف في الملكين؛ فقيل: هما ملكان أهبطا إلى الأرض؛ ليحكما بين الناس، فافتتنا بامرأة من نساء بني إسرائيل، فحملتهما على شرب الخمر والقتل، وسألتهما أن يعلماها الاسم الذي كانا يصعدان به إلى السماء، فعلماها إياه، فدعت به، فصعدت إلى السماء، فمسخت كوكبا يقال: إنه الزهرة.
وقيل: لم تكن امرأة، وإنما تصورت الزهرة لهما امرأة].
[ ص: 308 ] وروي: أنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما يعذبان بابل في شرف من الأرض، قيل: بابل العراق، وقيل: بابل دنباوند.
وقيل: إن الملكين جبريل وميكائيل، زعمت اليهود أنهما نزلا بالسحر بأمر الله، فأعلم الله تعالى أنه من عمل الشياطين، وأن الذي كان يعمله ببابل هاروت وماروت، وهما شيطانان، فـ (هاروت وماروت) على هذا بدل من (الشياطين)، والجمع في ولكن الشياطين كفروا على هذا: على ما جاء عن العرب في التثنية: أنها جمع، أو يكون على أنهما اسمان للجنس.
[ ص: 309 ] وفي الكلام سليمان، وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل تقديم وتأخير، التقدير: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك هاروت وماروت .
وقيل: كانا رجلين من بني آدم، فيكون ( هاروت وماروت ) على هذا بدلا من (الناس)، و (ما) على هذا القول وعلى قول من جعلهما شيطانين: نافية؛ أعني: (ما) في قوله: وما أنزل على الملكين .
ومن كسر (اللام) من (الملكين) ؛ فـ ( هاروت وماروت ) بدل من (الملكين)، وكذلك قرأ وقال: هما علجان من الحسن، أهل بابل .
وقيل: هما داود وسليمان عليهما السلام، و (ما) على هذا: نافية أيضا.
والذي تلته الشياطين على ملك سليمان مختلف فيه:
قال : كان ابن عباس آصف كاتب سليمان، وكان يعرف اسم الله الأعظم، فكان يكتب كل شيء يأمره به سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان؛ أخرجته الشياطين، وزادوا فيه سحرا، ونسبوه إلى سليمان، فأكفره جهال الناس وسفهاؤهم، وكانوا على ذلك إلى أن أنزل الله هذه الآية على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام.
وعن أيضا: أن ابن عباس سليمان لما ذهب ملكه؛ ارتد قوم من الجن [ ص: 310 ] والإنس، وأحدثوا سحرا كتبوه، فلما رجع سليمان إلى ملكه؛ دفن تلك الكتب تحت كرسيه، فلما مات؛ استخرج الجن والإنس ذلك، وقالوا: هذا كتاب من عند الله أخفاه عنا سليمان .
قال ابن إسحاق: إنما كتبت الشياطين ما كتبت بعد موت سليمان، ودفنته تحت كرسيه؛ كتبوا: (من أراد أن يفعل كذا فليفعل كذا)، ونسبوه إلى آصف، وزعموا أنه كتبه بأمر سليمان، ثم استخرجوه وعملوا به.
وقيل: كان الجن تسترق السمع، وتخبر به الكهنة، فقال الناس: إن الجن تعلم الغيب، وكتبوا عنهم كثيرا مما استرقوه، فجمع سليمان تلك الكتب ودفنها، ولم يكن أحد يقدر أن يقرب الموضع الذي دفنها فيه، فلما مات سليمان؛ تمثل جني في صورة إنسان، ودلهم على موضعها، فاستخرجوها وعملوا بها، ونسبوها إلى سليمان، فنفى الله ذلك عنه.
وقال : كتبت الشياطين ذلك حين ذهب ملك أبو عبيدة سليمان، ووضعته في خزانته، فلما مات سليمان نشرته.