الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين : قال مجاهد: أدنى الأرض : الجزيرة، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: أدنى الأرض : أذرعات، وبها التقوا، فهزمت الروم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ إذ هم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ [لأنهم أهل أوثان]، فغلبت الروم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم سيغلبون في بضع سنين"، فقامر أبو بكر الصديق المشركين على ذلك، وكان القمار حلالا، وجعل الأجل بينه وبين [ ص: 206 ] أمية بن خلف على ثلاث قلائص، إلى ثلاث سنين، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يستزيده في القلائص وفي السنين، ويجعلوا القلائص عشرا، والأجل ست سنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: جعل أبو بكر وأمية بن خلف مئة قلوص بمئة قلوص، إلى تسع سنين، فغلبت الروم عند رأس السبع.


                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: إن ذلك كان يوم بدر، غلب المسلمون المشركين، والروم أهل فارس، قال الخدري: وهو قوله: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لله الأمر من قبل ومن بعد أي: من قبل كل شيء، ومن بعد كل شيء، وقيل: المعنى: لله القضاء بالغلبة من قبل الغلبة، ومن بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 207 ] وقوله: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يعني: أمر معايشهم ودنياهم، وقيل: هو ما تأتيهم به الشياطين من استراق السمع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الظاهر): الباطل، كما قال في موضع آخر: أم بظاهر من القول [الرعد: 33].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولم يتفكروا في أنفسهم : قوله: في أنفسهم : ظرف لـ (التفكر)، وليس بمفعول تعدى إليه {يتفكروا} بحرف جر؛ لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم؛ إنما أمروا أن يستعملوا التفكر في خلق السماوات والأرض في أنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها يعني: بالزراعة والسكنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن : {السوأى}: (فعلى) من (السوء)، وقيل: يعني بها ههنا النار، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 208 ] ومعنى {أساءوا}: أشركوا، ودل عليه: أن كذبوا بآيات الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون أي: يتفرق المؤمنون من الكافرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فهم في روضة يحبرون أي: يسرون سرورا يظهر عليهم أثره، وأصله: من (التحبير) ؛ وهو التحسين.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: {يحبرون}: يكرمون، مجاهد: ينعمون، الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: هو السماع في الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى: وحين تظهرون : قال ابن عباس: حين تمسون : المغرب والعشاء، وحين تصبحون : صلاة الفجر، {وعشيا}: صلاة العصر، وحين تظهرون : الظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعل بينكم مودة ورحمة : قال مجاهد: (المودة): الجماع، و (الرحمة): الولد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (المودة والرحمة): عطف قلوب بعضهم على بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      إن في ذلك لآيات للعالمين يعنى: الجن والإنس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 209 ] وقوله: ومن آياته منامكم بالليل والنهار : قيل: في هذه الآية تقديم وتأخير؛ والمعنى: ومن آياته منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار، فحذف حرف الجر؛ لاتصاله بـ (الليل)، وعطفه عليه، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا أي: ومن آياته أنه يريكم البرق، وقيل: المعنى: ويريكم البرق من آياته.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في قوله: خوفا وطمعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره . أي: أن تدوما قائمتين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون : الوقف عند نافع ويعقوب الحضرمي على {دعوة} ؛ والمعنى فيما بعده: إذا أنتم تخرجون من الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      والوقف عند أبي حاتم على قوله: من الأرض ؛ والمعنى: دعاكم وأنتم في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يختار الوقف على واحد منهما؛ لأن {إذا} الثانية جواب لـ {إذا} الأولى على مذهب الخليل وسيبويه؛ كأنه قال: إذا دعاكم خرجتم؛ فالتمام: إذا أنتم تخرجون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 210 ] وقوله: وله من في السماوات والأرض : وهذا أيضا من آياته، فحذف؛ لأن في الكلام دليلا عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه : الضمير في {عليه} للمخلوق في قول ابن عباس؛ أي: والإعادة أهون على المخلوق؛ لأنه يقول له: (كن)، فيكون من غير انتقال من حال إلى حال.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: الضمير لله عز وجل؛ والمعنى: والإعادة أهون عليه من الابتداء، والجميع هين عليه؛ والمعنى على هذا: وهو أهون عليه عندكم، وفيما تعرفون.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: المعنى: وهو هين عليه، قال: وكذلك قراءة ابن مسعود.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: تعجب الكفار من إحياء الله تعالى الموتى، فنزلت هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم الآية: قال قتادة: هذا مثل ضربه الله للمشركين؛ المعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله؟ فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم؛ فكيف جعلتم لله شركاء؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تخافونهم كخيفتكم أنفسكم : قيل: معناه: كخيفتكم شركاءكم [ ص: 211 ] في أموالكم، الذين لا تقطعون أمرا دونهم، وقيل: المعنى: تخافون عبيدكم أن يرثوا أموالكم؛ كما يرث بعضكم بعضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فطرت الله أي: ابتداء الخلق الذي ابتدأهم عليه، وقيل: إن (على) بمعنى اللام؛ والمعنى: التي فطر الناس لها؛ أي: دين الله الذي خلق الناس لاتباعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تبديل لخلق الله أي: لا تغيير لدين الله، وقيل: المعنى: لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: منيبين إليه أي: فطرهم منيبين إليه مخلصين في حال الابتداء، وقد ذكرت هذا في "الكبير" مبسوطا، ومعنى منيبين إليه : راجعين إليه بالطاعة، وقيل: أقم وجهك -يا محمد- أنت وأمتك منيبين إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي: حجة تنطق بشركهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية