الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر : قال قتادة: (جانب الغربي ) : هو جبل الطور، والمعنى: وما كنت يا محمد بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى أمرك، وذكرناك بخير ذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما كنت ثاويا في أهل مدين أي: مقيما فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كنت بجانب الطور إذ نادينا : روى عمرو بن دينار يرفعه، قال: "نودي: يا أمة محمد; أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني"،

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 156 ] فذلك قوله: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك أي: لم تشاهد هذه الأخبار، ولكن أوحيناها إليك، رحمة بمن أرسلت إليهم، لتنذر بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولولا أن تصيبهم مصيبة : الجواب محذوف; أي: لولا ذلك، لم نرسل الرسل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا سحران تظاهرا : قال ابن عباس والحسن: يعنون: موسى ومحمدا عليهما السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: موسى وهارون.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {سحران} ; فالمراد: التوراة والقرآن، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: الإنجيل والقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: التوراة والإنجيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما : قال ابن زيد: من كتاب

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 157 ] موسى ومحمد، وهذا تقوية لقراءة من قرأ {سحران تظاهرا} ، ومن قرأ {ساحران} ; فالتقدير: بكتاب هو أهدى من كتابيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد وصلنا لهم القول أي: أتبعنا بعضه بعضا.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: معنى {وصلنا} : أتممنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عيينة، بينا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة، وقيل: وصلنا لهم خبر من مضى بخبر من يأتي.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في {لهم} لقريش، عن مجاهد، وقيل: هو لليهود، وقيل: لهم جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون يعني: النجاشي وأصحابه، عن الزهري، وقيل: سلمان الفارسي، وابن سلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا كنا من قبله مسلمين يعني: وجودهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وتصديقهم به ثم آمنوا به بعد مبعثه، فقال الله تعالى: أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، والهاء في {قبله} : تعود على القرآن، وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويدرءون بالحسنة السيئة أي: يدفعون بحسناتهم سيئاتهم التي عملوها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه : قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 158 ] الكتاب، أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {اللغو} ههنا: الطعن في كتاب الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      و {اللغو} في اللغة: ما لا فائدة فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سلام عليكم أي: تاركناكم، وليس من التحية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنك لا تهدي من أحببت : نزلت في أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا : هذا قول مشركي قريش، قال ابن عباس: قائل ذلك: الحارث بن نوفل.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال الله تعالى: أولم نمكن لهم حرما آمنا يعني: قبل الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يجبى إليه ثمرات كل شيء : قال ابن عباس: ثمرات الأرضين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها : [أي: بطرت في معيشتها، عن الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: أبطرتها معيشتها].

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا أي: في أعظمها، وقيل: المراد بـ(أم القرى ) ههنا: مكة، وبـ(الرسول ) : محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا : قيل:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 159 ] نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لعنه الله، وقيل: في حمزة وعلي رضي الله عنهما، وأبي جهل، وقيل: المراد منها: المؤمن والكافر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويوم يناديهم يعني: الإنس، وقوله: قال الذين حق عليهم القول يعني: الشياطين، عن قتادة، والمعنى: وجبت عليهم الحجة، فعذبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم أي: دعوناهم إلى الغي.

                                                                                                                                                                                                                                      أغويناهم كما غوينا أي: أضللناهم كما ضللنا.

                                                                                                                                                                                                                                      تبرأنا إليك أي: تبرأ بعضنا من بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم أي: لم ينتفعوا بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون : [أي لو أنهم كانوا يهتدون] ما دعوهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا، لأنجاهم الهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فعميت عليهم الأنباء يومئذ أي: الأخبار، مجاهد: الحجج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فهم لا يتساءلون أي: لا يتساءلون بالأنساب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 160 ] وقوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار : هذا هو التمام، وهو أشبه بمذهب أهل السنة، و {ما} من قوله: ما كان لهم الخيرة : نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها سوى اكتسابه بقدر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز الزجاج وغيره أن تكون {ما} اسما منصوبا بـ {يختار} .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكر الطبري أن تكون {ما} نافية; لئلا يكون المعنى: أنهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدم كلام بنفي، ولا يلزم ذلك، لأن {ما} تنفي الحال والاستقبال كـ (ليس ) ; ولذلك عملت عملها، ولأن الآي كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على ما يسأل عنه، وعلى ما هم مصرون عليه من الأعمال وإن لم يكن ذلك في النص.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 161 ] وتقدير الآية عند الطبري: ويختار لولايته الخيرة من خلقه، لأن المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم، فيجعلونه لآلهتهم، فقال الله تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار للهداية من خلقه من سبقت له السعادة في علمه; كما اختار المشركون خيار أموالهم لآلهتهم; فـ {ما} على هذا لمن يعقل، وهي بمعنى (الذي ) و {الخيرة} : رفع بالابتداء، و {لهم} : الخبر، والجملة خبر {كان} ، وشبهه بقولك: (كان زيد أبوه منطلق ) وفيه ضعف، إذ ليس في الكلام عائد يعود على اسم {كان} إلا أن يقدر حذف (فيه ) ، فيجوز على بعد، وقد روي معنى ما قاله الطبري عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      والاختيار في العربية إذا كانت {ما} مفعولة: أن يكون ضميرها في {كان} ، وينصب {الخيرة} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا أي: دائما، عن مجاهد وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي: فيهما، وقيل: الضمير لـ (الزمان ) ; وهو الليل والنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 162 ] وقوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا أي نبيا، عن مجاهد، وقيل: هم عدول الآخرة، يشهدون على العباد بأعمالهم في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى هاتوا برهانكم : هاتوا حجتكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فعلموا أن الحق لله أي: علموا صدق ما جاءت به الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم : قال النخعي، وقتادة، وغيرهما: كان ابن عم موسى، وقال ابن إسحاق: كان عم موسى لأب وأم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال شهر بن حوشب: كان بغيه على موسى وقومه أن زاد في طول ثيابه شبرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان يستخف بهم، لكثرة ماله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان بغيه أنه أعطى لبغية جعلا; على أن تقول: إن موسى أحبلها، فألقى الله على لسانها بحضرة ملأ من الناس أن أكذبت قارون، وبرأت موسى، فجعل الله تعالى أمر قارون إلى موسى، وأمر الأرض أن تطيعه، فجاءه وجعل يقول للأرض: يا أرض خذيه، يا أرض خذيه، وهي تأخذه شيئا فشيئا، وهو يستغيث بموسى إلى أن ساخ في الأرض هو وداره، وجلساؤه

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 163 ] الذين كانوا على مذهبه.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أن الله تعالى أوحى إلى موسى: يا موسى; استغاث بك عبادي، فلم ترحمهم، أما إنهم لو دعوني لوجدوني قريبا مجيبا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: بلغنا أنهم يخسف بهم كل يوم قامة، فلا يبلغون إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة : قال ابن عباس: (العصبة ) : ثلاث رجال، وعنه أيضا من الثلاثة إلى العشرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عيينة: أربعون رجلا.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: من عشرة إلى خمسة عشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصلها في اللغة: الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد: كانت مفاتيح خزائنه من جلود الإبل.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: كان يحمل مفاتيح خزائنه أربعون رجلا.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو صالح: كان يحملها أربعون بغلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الضحاك أيضا: أن {مفاتحه} أوعيته.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: قوله: لتنوء بالعصبة مقلوب، والمعنى: لتنوء بها العصبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 164 ] أبو زيد: (نؤت بالحمل ) ; إذا نهضت به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما قال ذلك; لأن فيه معنى: (تميل ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين : قال مجاهد: هو فرح البطر.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: المعنى: لا تفرح بالمال; فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الفرحين} و {الفارحين} سواء: وفرق بينهما الفراء فقال في معنى {الفرحين} الذين هم في حال الفرح، و {الفارحين} الذين يفرحون في المستقبل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تنس نصيبك من الدنيا : قال ابن عباس: أي: اعمل فيها بطاعة الله عز وجل، وقيل: المعنى: لا تنس شكر نصيبك.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الحسن: هو طلب الحلال، وعنه أيضا: أمسك القوت وقدم ما فضل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كل من لذات الدنيا الحلال; فإنها غير محرمة عليك.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك رحمه الله: هو الأكل والشرب من غير سرف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية