الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية: نزلت هذه الآية -فيما ذكر المفسرون- في رجل من مشركي قريش اشترى جارية مغنية، وأمرها أن تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فـ لهو الحديث -على هذا- هو الغناء، وكذلك روي عن ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: لهو الحديث : الشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هو استبدال حديث الحق بحديث الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت الآية في النضر بن الحارث، كان يشتري الكتب التي فيها [ ص: 232 ] أخبار فارس والروم، فيلهي بها قريشا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: ليضل عن سبيل الله أي: عن قراءة القرآن، وذكر الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى: بغير علم : جهلا منه بأمر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويتخذها هزوا أي: يتخذ سبيل الله هزؤا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم : قال ابن عباس: أي: من كل لون حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي: المراد به: الناس؛ لأنهم مخلوقون من الأرض، فمن كان منهم للجنة؛ فهو الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد آتينا لقمان الحكمة : كان لقمان -فيما روي عن ابن عباس وغيره- عبدا حبشيا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن المسيب: كان من سودان مصر.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: كان نبيا.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: كان رجلا صالحا، ولم يكن نبيا، وقيل: إنه كان نجارا، وقيل: كان خياطا، وكان -فيما روي- في زمن داود عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 233 ] و (الحكمة التي أوتيها) في قول مجاهد: العقل، والفقه، والصواب في القول، من غير نبوة، وكان اسم ابنه -فيما روي- تاران.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ووصينا الإنسان بوالديه : هذا اعتراض بين كلام لقمان، ووقع هذا الاعتراض؛ لأنه مما أمر به ابنه، دل عليه: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، وما بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهنا على وهن معناه: ضعفا على ضعف، قيل: ضعف الولد على ضعف الأم، وقيل: ضعف النفاس على ضعف الحمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وفصاله في عامين أي: فطامه في انقضاء عامين، وفي الآية تقديم وتأخير؛ وتقديرها: ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي ولوالديك، حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ذكر هذه الآية، وفي من نزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وصاحبهما في الدنيا معروفا أي: مصاحبا معروفا.

                                                                                                                                                                                                                                      يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل : هذا إخبار عن لقمان، والضمير في {إنها}: قيل: للقصة، كان ابنه سأله عن ذلك، فقال: يا بني، إن القصة التي سألتني [ ص: 234 ] عنها، أو المسألة، وقيل: هو للخطيئة، وقيل: هو للفعلة، من حسنة أو سيئة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ومن نصب مثقال حبة ؛ أضمر في {تك} اسما يعود على الأوجه الثلاثة السابقة في {إنها}]، ومن رفع {مثقال حبة} ؛ فلا إضمار فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      فتكن في صخرة : قال سفيان وغيره: هي الصخرة التي تحت الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الله لطيف خبير أي: لطيف باستخراجها، خبير بمكانها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تصعر خدك للناس أي: لا تعرض بوجهك عنهم تكبرا، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الصعر): داء يأخذ الإبل في أعناقها ورؤوسها؛ فتلوي أعناقها، فشبه المتكبر على الناس بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {مرحا} أي: تجبرا وتكبرا.

                                                                                                                                                                                                                                      [وتقدم ذكر (المختال) و (الفخور).

                                                                                                                                                                                                                                      واقصد في مشيك يعني: التوسط فيه].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 235 ] واغضض من صوتك أي: انقص منه، والمراد بذلك كله: التواضع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي: أقبحها، وجاء في الخبر: "أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانا".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة : قال النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس، وقد سأله عن هذه الآية: "(الظاهرة): الإسلام، وما حسن من خلقك، و (الباطنة): ما ستر عليك من سيئ عملك".

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير أي: أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يتبعونه؟

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: (العروة الوثقى).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله : نزلت هذه الآية بسبب أن اليهود فخرت بنزول التوراة على [ ص: 236 ] موسى، وبقائها فيهم، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بلغنا أنك تقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [الإسراء: 85]، قاله ابن عباس وغيره، ومعنى (الكلمات) ههنا: ما انفرد به الباري عز وجل من علم ما كان، وما يكون.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: قال المشركون: هذا كلام يوشك أن ينفد؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أي: إلا كخلق نفس واحدة وبعثها، قال مجاهد: لأنه يقول للقليل والكثير: كن، فيكون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد : [قال مجاهد: مقتصد] في القول وهو كافر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أنه كافر غير مشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: في الكلام حذف؛ والمعنى: فمنهم مقتصد، ومنهم كافر، ودل على المحذوف: وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فمنهم مقتصد، ومنهم جائر.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المقتصد: المؤمن، وهذا راجع إلى ما قدمناه.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور . (الختار): الغدور، عن مجاهد، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الله عنده علم الساعة الآية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الغيب خمسة"، [ ص: 237 ] وتلا هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية