الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 449 ] وقوله: فلما أسلما وتله للجبين أي: سلما لأمر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وتله للجبين أي: صرعه على جبينه، وجواب (لما) عند البصريين محذوف، وهو عند الكوفيين: {وتله} والواو زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن هذا لهو البلاء المبين أي: الاختبار.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: يعني الشر والمكروه، وقيل: هو النعمة الظاهرة; والمعنى: إن هذا الفداء الذي فديناه لهو النعمة الظاهرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وفديناه بذبح عظيم : قال ابن عباس : فدي بكبش رعى في الجنة أربعين سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: فدي بوعل.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : معنى {عظيم}: كبير متقبل.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : كان ذبح الكبش بالشام، مجاهد : بمنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر: «أن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه: يا أبت; اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف ثيابك; لئلا ينتضح عليها شيء من دمي، فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي; ليكون الموت أهون علي، واقذفني [ ص: 450 ] للوجه; لئلا تنظر إلى وجهي; فترحمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع، وإذا أتيت أمي فأقرئها مني السلام، فلما جر إبراهيم السكين، ضرب الله عليه صفيحة من نحاس، فلم تعمل السكين شيئا، ثم ضرب به على جبينه، وحز في قفاه، فلم تعمل شيئا، فذلك قوله تعالى: وتله للجبين وكذلك قال ابن عباس : معناه: كبه على جبهته، فنودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت فإذا بكبش.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين : استدل بهذا قوم على أن الذبيح إسماعيل، وأنه بشره بالفداء، وبإسحاق مع الفداء، وقال القائلون: إن الذبيح إسحاق: إن المعنى: وبشرناه بكون إسحاق نبيا من الصالحين بعد خلاصه من الذبح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم : [ ص: 451 ] [يعني: من فرعون وقومه، ومن الغرق.

                                                                                                                                                                                                                                      {ونصرناهم} يعني: هما وقومهما] وقيل: يعني: موسى وهارون، وأخبر عنهما بلفظ الجميع.

                                                                                                                                                                                                                                      و الكتاب المستبين : التوراة، و الصراط المستقيم : الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {إلياس} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أتدعون بعلا أي: ربا، عن ابن عباس ، و مجاهد ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: هو اسم صنم كانوا يعبدونه.

                                                                                                                                                                                                                                      و (البعل): الرب، لغة مشهورة لأهل اليمن.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن إسحاق: قوله: أتدعون بعلا يعني: امرأة كانوا يعبدونها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (البعل): كل ما علا وملك، ومنه: (بعل المرأة) و (بعل الدار): ربها.

                                                                                                                                                                                                                                      فكذبوه فإنهم لمحضرون أي: محضرون في العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {سلام على آل ياسين} أي: آل إلياس، وقيل: معناه: آل محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: إل ياسين فهو جمع يدخل في إلياس، فهو جمع (إلياسي) [ ص: 452 ] فحذف ياء النسبة، كما حذفت ياء النسبة في الجمع المكسر في نحو: (المهالبة) في جمع (مهلبي) كذلك حذفت في الجمع المسلم، فقيل: (المهلبون) وقد حكى سيبويه: (الأشعرون، والنميرون) يريد: (الأشعريين والنميريين) وحكى قطرب: (هؤلاء زيدون) أي: منسوبون إلى (زيد) وحكى أبو عمرو: (هلك اليزيدون) يريد: (اليزيديين).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: أنه سمى كل واحد من آل ياسين إلياس; كما قالوا: (شابت مفارقه) فكأن كل جزء من مفرقه مفرق، وأنشد أبو الفتح عن أبي علي: [من الرجز].


                                                                                                                                                                                                                                      مرت بنا أول من أموس تميس فينا مشية العروس

                                                                                                                                                                                                                                      قال: فسمى كل جزء من أمس أمسا، ثم جمع عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 453 ] وقيل: إن إل ياسين واحد، كما قالوا في {ميكائيل}: (ميكائين) وفي {إسماعيل}: (إسماعين) وفي {جبريل}: (جبرين) ].

                                                                                                                                                                                                                                      فأما من قرأ: {سلام على الياسين}، و {وإن الياس} بحذف الهمزة; فإنه يجوز أن يكون على حذف الهمزة، للتخفيف، حسب ما قدمناه في مثله، ويجوز أن يكون الاسم (ياسا) لحقته لام التعريف، كما قال: [من الرجز]


                                                                                                                                                                                                                                      أمهتي خندف والياس أبي



                                                                                                                                                                                                                                      فتكون لام التعريف فيه زائدة، كزيادتها في {اليسع} على ما تقدم من القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ {وإن إدريس لمن المرسلين} ، و {سلام على إدراسين} فالأصل في {إدراسين}: (إدريسين) حرفته العرب; كما فعلت في أكثر الأسماء الأعجمية المنقولة إلى اللغة العربية; ومثله {إبراهيم} و (إبراهام) والقول [ ص: 454 ] فيه كالقول في إل ياسين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى قطرب: {وإن إدراس} و {سلام على إدراسين} فهذا يدل على أنه جمع الصحة، وحكى قطرب أيضا عن ابن مسعود: {إدرسين} بغير ألف، وهذا على أن يكون الأصل: (إدراسين) فحذفت الألف؛ لطول الاسم وعجمته.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم اختصار خبر يونس عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فساهم فكان من المدحضين : قال مجاهد : أي: من المسهومين، وقال الحسن : من المقروعين، و (الدحض): الزلق، فحقيقة المعنى: من الملقين في البحر.

                                                                                                                                                                                                                                      فالتقمه الحوت وهو مليم أي: مسيء، عن قتادة، يقال: [(ألام الرجل، فهو مليم) إذا أتى بما يلام عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلولا أنه كان من المسبحين أي: من المصلين، عن ابن عباس ].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 455 ] وقيل: أي: من المصلين في بطن الحوت، وقيل: قبل التقام الحوت إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: للبث في بطنه إلى يوم يبعثون يعني: يوم القيامة; أي: لصار له بطن الحوت قبرا، وروي: أنه لبث في بطن الحوت أربعين يوما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية