ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء : كما قال الله تعالى، وليس معناه: أنهم سيحيون. إذ لو كان كذلك؛ لم يكن بين الشهيد وغيره فرق؛ إذ كل واحد سيحيا، ويدل على ذلك قوله: الشهداء أحياء، ولكن لا تشعرون ، والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون.
ولنبلونكم بشيء من الخوف الآية: الخطاب للمسلمين، والخوف: ما ينالهم من خوف عدوهم، والجوع، ونقص من الأموال والثمرات؛ بسبب [ ص: 370 ] تشاغلهم بالجهاد عن معايشهم، والنقص من الأنفس: من يقتل منهم في غزوهم.
وقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون : إقرار بالعبودية والبعث.
وهذا الابتلاء للزيادة في ثوابهم، وليعلم من جاء بعدهم أنهم لم يصبروا على ذلك إلا بعد وضوح الحق لهم.
إن الصفا والمروة من شعائر الله : (الصفا والمروة): جبلان.
و (الصفا) في اللغة: الحجر الأملس، قيل: هو واحد، يجمع على (أصفاء)، و (صفي) بضم الصاد وكسرها، وقيل: هو جمع، واحده: (صفاة).
و (المروة): الحجارة اللينة، ويجمع على (مرو)، و (مروات).
و (شعائر الله): الأعلام الدالة على طاعته، واحدتها: شعيرة، وهي بمعنى: مشعرة.
و (حج البيت): قصده، و (العمرة): زيارته بالعمل المسنون في العمرة.
و (الجناح): الإثم، مأخوذ من (جنح) ؛ إذا مال عن القصد.
رضي الله عنها، عائشة وقد سألها عن الآية وقال: ما أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت له: كلا، لو كانت كذلك؛ لكانت: فلا جناح [ ص: 371 ] عليه ألا يطوف بهما، إنما ] أنزلت في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين لعروة بن الزبير الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام؛ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت الآية. قالت
وقال : كانتا من شعائر الجاهلية، فكنا نتقيهما، فنزلت الآية. أنس
: كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل كله بين ابن عباس الصفا والمروة، وكانت بينهما آلهة، فلما جاء الإسلام؛ قال المسلمون: يا رسول الله؛ لا نطوف بين الصفا والمروة؛ فإنه شرك، فنزلت الآية.
قال : كان حي قتادة تهامة لا يسعون في الجاهلية بين الصفا والمروة، فأعلمهم الله تعالى أنهما من شعائر الحج.
[ ص: 372 ] : كان على الشعبي الصفا في الجاهلية صنم يسمى: (إسافا)، وعلى المروة وثن يسمى: (نائلة)، وكانوا يمسحونهما إذا طافوا، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك، فنزلت الآية.
شاكر عليم أي: مجاز عباده بأعمالهم، عليم بها.
إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى الآية، يعني: أهل الكتاب من اليهود، عن وغيره. ابن عباس،
وقيل: المراد بها: كل من كتم شيئا مما أنزل الله عز وجل.
وقوله: ويلعنهم اللاعنون قال : كل شيء سوى الثقلين. ابن عباس
: دواب الأرض كلها يقلن: منعنا القطر بخطايا بني آدم. مجاهد
: ابن مسعود فإن لم يستحقها أحدهما؛ رجعت على اليهود والنصارى. إذا تلاعن المتلاعنان رجعت اللعنة على مستحقها منهما،
ومن ذهب إلى أن اللاعنين البهائم؛ فالإخبار عنها كالإخبار عمن يعقل، ولعنها بإلهام من الله عز وجل.
[ ص: 373 ] بينوا التوبة بالعمل، وقيل: بينوا ما عندهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم. ومعنى {وبينوا}:
ومعنى أتوب عليهم : أقبل توبتهم.
وقوله: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين : في هذا النص أنهم يلعنون أنفسهم، ويلعنهم أهل دينهم، كما قال: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا [العنكبوت: 25]، قاله وغيره. أبو العالية،
: كل أحد يلعن الظالم، وإذا لعن الكافر الظالم؛ فقد لعن نفسه. السدي
خالدين فيها أي: في اللعنة؛ يعني: في جزائها.
وقيل: خلودهم في اللعنة: أنها مؤبدة عليهم.
ولا هم ينظرون أي: لا يؤخرون عن العذاب وقتا من الأوقات.