الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1396 (باب في غسل الجمعة)

                                                                                                                              وذكره النووي في الكتاب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 131جـ6 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ ( عن أبي هريرة ) رضي الله عنه (قال بينما عمر بن الخطاب ) يخطب الناس يوم الجمعة; إذ دخل عثمان بن عفان ، فعرض به عمر . فقال ما بال رجال يتأخرن بعد النداء؟ فقال عثمان : يا أمير المؤمنين! ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت، ثم أقبلت فقال عمر : والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل؟") ].

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث عند مسلم منها: حديث عبد الله (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل. ، وهذه محمولة على الأول

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              والمعنى: من أراد المجيء فليغتسل.

                                                                                                                              [ ص: 114 ] وفي حديث عمر: (وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل) وفي حديث أبي سعيد الخدري; (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم") . والمراد بالمحتلم: "البالغ".

                                                                                                                              وفي الحديث الآخر: (حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل فيه رأسه وجسده) . وفي آخر: (لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا) . وفي رواية: "لو اغتسلتم يوم الجمعة" .

                                                                                                                              واختلف أهل العلم في حكم هذا الغسل; فحكي وجوبه عن طائفة من السلف، حكوه عن بعض الصحابة. وبه قال أهل الظاهر. وحكاه ابن المنذر عن مالك. وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك.

                                                                                                                              وهو الصحيح المختار، وإليه جنح شيخنا الشوكاني في كل مؤلفاته الشريفة، وعليه تظاهرت الأدلة الصحيحة.

                                                                                                                              وذهب جمهور العلماء من السلف، والخلف، وفقهاء الأمصار، إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب.

                                                                                                                              قال عياض : وهو المعروف من مذهب مالك، وأصحابه.

                                                                                                                              [ ص: 115 ] قال النووي : واحتج من أوجبه بظاهر هذه الأحاديث.

                                                                                                                              واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة.

                                                                                                                              منها: حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب، وقد ترك الغسل، وقد ذكره مسلم.

                                                                                                                              وهذا الرجل; هو: "عثمان بن عفان" كما جاء مبينا في هذا الحديث.

                                                                                                                              ووجه الدلالة; أن عثمان فعله، وأقره عمر، وحاضروا الجمعة، وهم أهل الحل والعقد.

                                                                                                                              ولو كان واجبا لما تركه، ولألزموه.

                                                                                                                              ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" .

                                                                                                                              وهذا حديث حسن في السنن مشهور. وفيه: دليل على أنه ليس بواجب.

                                                                                                                              ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : "لو اغتسلتم يوم الجمعة" .

                                                                                                                              وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب، لأن تقديره: لكان أفضل وأكمل. ونحو هذا من العبادات.

                                                                                                                              وأجابوا عن الأحاديث الواردة في الأمر به، أنها محمولة على الندب، جمعا بين الأحاديث.

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي "رحمه الله".

                                                                                                                              وفيه: من الضعف ما لا يخفى.

                                                                                                                              [ ص: 116 ] والجواب عن احتجاج الجمهور، يظهر بأدنى تأمل لمن هو عارف بالأدلة، وبكيفية الاستدلال بها.

                                                                                                                              وقد حققنا هذه المسألة في كتابنا "الروضة الندية، شرح الدرر البهية".

                                                                                                                              وحققه العلامة الشوكاني "رحمه الله"، في مؤلفاته الممتعة.

                                                                                                                              ولفظ: "واجب على كل محتلم". ولفظ: "حق لله على كل مسلم". يناديان بأعلى صوت، على أن غسل يوم الجمعة واجب، لا شك فيه ولا شبهة.

                                                                                                                              ولا وجه لصرف هذا الظاهر عن معناه الحقيقي اللغوي الشرعي، إلى المعنى المجازي، وهو "التأكيد".

                                                                                                                              فالمراد: الواجب، المتحتم، المعاقب عليه.

                                                                                                                              والظاهر: أن هذا الوجوب جاء بعد ذاك الندب والتأكيد، والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية