الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وقال صلى الله عليه وسلم : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه تقول اللهم صل عليه ، اللهم ارحمه ، اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من المسجد .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: لا صلاة) المشهور في تقديره: لا صلاة كاملة، وقد رده ابن الدهان في "الغرة" وقال: فيه نقض لما أصلناه من أن الصفة لا يجوز حذفها، قال: والتقدير عندي: لا كمال صلاة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، اهـ .

وقد تمسك بظاهره الظاهرية على أن الجماعة واجبة، ولا حجة فيه بفرض صحته؛ لأن النفي المضاف إلى الأعيان يحتمل أن يراد به نفي الأجزاء، ويحتمل نفي الكمال، وعند الاحتمال يسقط الاستدلال، (لجار المسجد) أي: الملاصق له، وقيل: من أسمعه المنادي، هكذا جاء مصرحا في رواية ابن أبي شيبة في "المصنف" (إلا في المسجد) ، أخرجه الدارقطني في "السنن" من طريقين، الأولى: قال: حدثنا ابن مخلد عن الجنيد بن حكيم عن أبي السكيت الطائي، عن محمد بن السكيت عن عبد الله بن كثير الغنوي عن محمد بن سوقة عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الثانية: قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن المذكر عن محمد بن سعيد بن غالب العطار عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن داود اليماني، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "فقد النبي صلى الله عليه وسلم قوما في الصلاة فقال: ما خلفكم؟ قالوا: لحاء كان بيننا". فذكره، ثم قال الدارقطني : إسناده ضعيف .

قلت: وأخرجه الحاكم والطبراني فيما أملاه، ومن طريقه الديلمي عن أبي هريرة، وفي "المهذب" فيه سليمان اليماني وهو ضعيف، وقال عبد الحق: هذا حديث ضعيف، وأقره عليه ابن القطان، وفي "الميزان" قال الدارقطني في موضع: هو حديث مضطرب، وفي موضع: منكر ضعيف، وفي "تخريج أحاديث الرافعي " للحافظ: هذا حديث مشهور بين الناس، وأسانيده ضعيفة، وليس له سند ثابت .

وفي الباب عن علي: وهو ضعيف أيضا، اهـ .

قلت: أخرجه الدارقطني أيضا، وقال في "تخريج أحاديث الهداية": ورواه ابن حبان عن عائشة، وفيه عمر بن راشد يضع الحديث، وهو عند الشافعي عن علي، ورجاله ثقات اهـ .

قلت: هو عنده من طريق أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي، وكذا أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" وابن أبي شيبة في "المصنف"، إلا أنه وقفه على علي، ولفظه: "لا تقبل صلاة جار المسجد إلا في المسجد". ولعل كلام عبد الحق أن رواته ثقات، يشير إلى حديث علي هذا، ومن شواهده حديث أنس : "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له، إلا من عذر". والله أعلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه) ، أي: تستغفر له وتطلب له الرحمة قائلين: (اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له ما لم يحدث) ، من الإحداث، أي: ما لم يأت بناقض الوضوء، (أو يخرج من المسجد) أخرجه البخاري في الصلاة من طريق الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه، فساق الحديث وفيه: "وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذ بحدث". وفي رواية: "ما لم يحدث فيه". وعند الكشميهني: "ما لم يؤذ بحدث فيه". أخرجه أيضا مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، كلهم في كتاب الصلاة، وأخرجه البخاري أيضا في الجماعة، والله أعلم .




الخدمات العلمية