الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديدا فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق .

وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى نعلا فأعجبه حسنها فسجد وقال : تواضعت لربي عز وجل كي لا يمقتني ثم خرج بها فدفعها إلى أول سائل لقيه ، ثم أمر عليا رضي الله عنه أن يشتري له نعلين سبتيتين جرداوين فلبسهما .

وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم من ذهب قبل التحريم ، وكان على المنبر ، فرماه وقال : شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم وروي أن أبا طلحة صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجا فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدر كم صلى فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه من الفتنة ، ثم قال : يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت .

التالي السابق


(وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتجديد شراك نعله) هو سيرها الذي على ظهر القدم، (ثم نظر إليه في صلاته) ، أي: لكونه كان يصلي في النعل دائما، وعلل النظر بقوله: (إذ كان جديدا) ، فكأنه خاف أن يفتتن به، (فأمر أن ينزع منها) ، أي: ذلك الشراك من النعل، (ويرد الشراك الخلق) ، محركة أي: البالي القديم. قال العراقي: رواه ابن المبارك في الزهد من حديث أبي النضر مرسلا بإسناد صحيح. اهـ .

قلت: وأبو النضر هو سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني تابعي مات في سنة 129 روى له الجماعة. (وكان -صلى الله عليه وسلم- قد اتخذ) ، وفي نسخة: احتذى، (نعلين) ، وهي نسخة العراقي، (فأعجبه حسنهما فسجد) لله شكرا، (وقال: تواضعت لربي -عز وجل- كي لا يمقتني) ، والمقت أشد الغضب، (ثم خرج بهما فدفعهما إلى أول سائل لقيه، ثم أمر عليا كرم الله وجهه أن يشتري له سبتيتين) مثنى سبتية بكسر السين وسكون الموحدة، ثم كسر المثناة الفوقية بعدها ياء نسبة مشددة جلود بقر تدبغ بالقرظ وتصنع منها النعال، سميت بذلك؛ لأن شعرها قد سبت عنها، أي: أزيل [ ص: 130 ] وحلق، فقوله: (جرداوين) ، أي: لا شعر فيهما، كالتأكيد لما قبله، (فلبسهما) قال العراقي: رواه أبو عبد الله بن خفيف في شرف الفقهاء من حديث عائشة بإسناد ضعيف. اهـ .

قلت: وأبو عبد الله بن خفيف هذا شيرازي من كبار الأئمة، ويعرف بالشيخ الكبير، وله ذكر وصيت .

(وكان -صلى الله عليه وسلم- في يده خاتم ذهب قبل التحريم، وكان على المنبر، فرماه وقال: شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم) .

قال العراقي: أخرجه النسائي من حديث ابن عباس بإسناد صحيح، وليس فيه بيان أن الخاتم كان ذهبا أو فضة إنما هو مطلق. اهـ .

قلت: قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لما اتخذ خاتما من ورق فاتخذوا مثله، طرحه، فطرحوا خواتيمهم، هكذا رواه الزهري، وقيل: بل الذي لبسه يوما ورماه خاتم ذهب، كما ثبت ذلك من غير وجه عن ابن عمر ، وأنس، أو خاتم حديد عليه فضة، فقد روى أبو داود أنه كان له خاتم حديد ملوي على فضة، فلعله هو الذي طرحه، وكان يختم به، ولا يلبسه، والله أعلم .

(وروي أن أبا طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري المدني أحد النقباء شهد المشاهد كلها، عاش بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين سنة، روى له الجماعة، (صلى في حائط له) ، أي: بستان (فيه شجر فأعجبه دبسي) هو بالضم ضرب من الفواخت كذا في المصباح (طار في الشجر) ، وفي نسخة: ريش طائر، وفي نسخة العراقي: ريش الطائر في الشجر، (يلتمس) ، أي: يطلب (مخرجا فأتبعه بصره ساعة) ، أي: لحظة (ثم رجع إلى صلاته فلم يدر كم صلى فذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أصابه من الفتنة، ثم قال: يا رسول الله هو) أي: الحائط، (صدقة) في سبيل الله (فضعه حيث شئت) .

قال العراقي: روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأنصاري، فذكره بنحوه. اهـ .

وسيأتي للمصنف هذا في كتاب أسرار الزكاة .




الخدمات العلمية