الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وينوي بالسلام من على يمينه الملائكة والمسلمين في الأولى وينوي مثل ذلك في الثانية .

التالي السابق


ثم قال: (وينوي) بها المنفرد (السلام من على يمينه من الملائكة) ، قيل: المراد بهم الحفظة الذين وكلوا بحفظه خاصة، ولا يعمم النية، وقيل: ينوي على سبيل العموم، فقد روي عن ابن عباس : "مع كل مؤمن خمس من الملائكة". وفي بعض الأخبار: مع كل مؤمن ستون ملكا، وفي بعضها: مائة وستون يذبون عنه، كما يذب عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين". رواه الطبراني، وقيل: ينوي بهم الكرام الكاتبين، وهما اثنان، واحد عن يمينه وواحد عن شماله، والصحيح أنه لا ينوي عددا محصورا؛ لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت، فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام، كذا في "الهداية"، وقد جاء في حديث علي التصريح بالملائكة المقربين والنبيين، ومن معهم من المؤمنين، وقول المصنف: (والمسلمين) أي: مسلمي الجن والإنس (في الأولى) ، هكذا هو في "شرح المهذب"، (وينوي مثل ذلك في الثانية) ، ولكن في قول المصنف "والمسلمين" نظر؛ لأنه يحكي صلاة المنفرد، والمنفرد لا ينوي بتسليمه إلا السلام على الملائكة فقط، إذ ليس معهم غيرهم، وقد بين ذلك الرافعي فقال: وأما المنفرد فينوي بها السلام على من على جانبه من الملائكة اهـ .

وهكذا ذكره بعض أصحابنا المتأخرين فقال: ويسن نية المنفرد الملائكة فقط، قال: وينبغي التنبه لهذا؛ لأنه قل من يتنبه له من أهل العلم فضلا عن غيرهم اهـ .

ولم يذكر المصنف كيفية تسليم الإمام، وماذا ينوي بسلامه، وقد ذكر الرافعي أن الإمام يستحب له أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة ومسلمي الإنس والجن، وبالثانية على من على يساره منهم، والمأموم ينوي مثل ذلك ويختص بشيء آخر، وهو أنه إن كان على يمين الإمام ينوي بالتسليمة الثانية الرد على الإمام، وإن كان على يساره ينوي بالتسليمة الأولى، وإن كان في محاذاته ينوي به أيهما شاء، وهو في التسليمة الأولى أحسن، ويحسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على البعض اهـ .

وفي عبارات أصحابنا: وينوي بالأولى في خطابه ب "عليكم" من على يمينه من الملائكة والمؤمنين المشاركين له في صلاته دون غيرهم، وعن يساره مثل ذلك، وينوي المقتدي إمامه في الأولى إن كان عن يمينه أو بحذائه، وهذا عند أبي يوسف؛ لأنه تعارض فيه الجانبان، فرجح اليمين لشرفه، وعند محمد: ينويه في التسليمتين، وهو رواية عن أبي حنيفة؛ لأن الجمع عند التعارض إذا أمكن لا يصار إلى الترجيح، وينويه في الأخرى إن كان على يساره، والإمام أيضا ينوي القوم مع الحفظة فيهما، وهو الصحيح اهـ .

وقد عرف مما تقدم من سياق الرافعي أن الإمام ينوي بالأولى الخروج من الصلاة والسلام على الملكين والمأمومين، والمأموم إن كان عن يمين الإمام فإنه ينوي بالسلام عن يمينه الملكين والمأمومين والخروج، وعن يساره الملكين والإمام، وإذا كان عن يساره الإمام نوى الإمام في التسليمة الأولى مع الملكين والمأمومين والخروج، وفي الثانية الملكين، وإن كان منفردا نوى بالأولى الخروج والملكين، وفي الثانية الملكين سواء كان إماما أو [ ص: 87 ] مأموما أو منفردا .

وقال أصحابنا: التسليمة الأولى للتحية والخروج من الصلاة، والثانية للتسوية بين القوم في التحية، ثم قيل: الثانية سنة، والأصح أنها واجبة كالأولى، وبمجرد لفظ السلام يخرج ولا يتوقف، كذا في "شرح الهداية" لابن الهمام .

وأما مالك فلا يسن عنده التسليمة الثانية، فالإمام عنده يسلم تسليمة واحدة عن يمينه يقصد بها قبالة وجهه، ويتيامن برأسه قليلا، وكذلك يفعل المنفرد، وأما المأموم فيسلم ثلاثا، ثنتين عن يمينه، والثالثة تلقاء وجهه يردها على إمامه ينويان بها التحلل من الصلاة، ويروى أنه يسلم اثنتين ينوي بالأولى التحلل، وبالثانية الرد على الإمام، وإن كان على يساره من يسلم عليه نوى الرد عليه، ونص خليل في مختصره: "ورد مقتد على إمامه، ثم يساره، وبه أحد، وجهر بتسليمة التحليل فقط"، قال شارحه: أما سلام التحليل فينوي فيه الإمام والمأموم، والفذ، ويسن للمأموم أن يزيد عليها تسليمتين إن كان على يساره أحد، أولاهما يرد بها على إمامه، والثانية من على يساره، ومن السنن الجهر بتسليمة التحليل فقط، قال مالك : ويخفي تسليمة الرد اهـ .

وأما الإمام أحمد فقال: ينوي بالسلام الخروج من الصلاة، ولا يضم إليه شيئا آخر، هذا هو المشهور عن أحمد، فإن ضم إليه شيئا آخر من سلام على ملك أو آدمي، فعن أحمد رواية أخرى، وفي المأموم خاصة، فيستحب له أن ينوي الرد على إمامه، قاله يعقوب بن لحيان، وقال أبو حفص العكبري في "مقنعه": إن كان منفردا نوى بالأولى الخروج من الصلاة، وبالثانية السلام على الحفظة، وإن كان مأموما نوى بالأولى الخروج من الصلاة، وبالثانية الرد على الإمام والحفظة، وإن كان إماما نوى بالأولى الخروج من الصلاة، وبالثانية المأمومين والحفظة، وفي "المقنع" لأبي العباس الردادي الحنبلي: "يسلم مرتبا معرفا وجوبا، مبتدئا عن يمينه جهرا، مسرا به عن يساره" اهـ .




الخدمات العلمية