وعن رجل آخر أنه ولم يدر كم صلى فذكر ذلك صلى في حائط له ، والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته رضي الله عنه وقال : هو صدقة ، فاجعله في سبيل الله عز وجل ، فباعه لعثمان بخمسين ألفا . عثمان
فكانوا يفعلون ذلك قطعا لمادة الفكر وكفارة لما جرى من نقصان الصلاة وهذا هو الدواء القاطع لمادة العلة ولا يغني غيره .
فأما ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر ، فذلك ينفع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب .
فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة .
ومثاله رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تشوش عليه فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره ، فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة ، فقيل له : إن هذا أسير السواني ولا ينقطع فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة .
فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب ، الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في دفعها فإن الذباب كلما ذب آب ولأجله سمي ذبابا .
فكذلك الخواطر وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا وذلك رأس كل خطيئة ، وأساس كل نقصان ، ومنبع كل فساد .