الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإنما تكون مكاشفة كل مصل على قدر صفائه عن كدورات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة ، والضعف ، والقلة ، والكثرة ، وبالجلاء ، والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه وينكشف لبعضهم الشيء بمثاله كما كشف لبعضهم الدنيا في صورة جيفة والشيطان في صورة كلب جاثم عليها يدعو إليها .

ويختلف أيضا بما فيه المكاشفة ، فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله ولبعضهم من أفعاله ، ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة .

ويكون لتعين تلك المعاني في كل وقت أسباب خفية لا تحصى وأشدها مناسبة الهمة فإنها إذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف .

التالي السابق


(وتكون مكاشفة كل مصل ) من الأنبياء ، والأولياء ، والصالحين من عباد الله (على قدر صفائه من كدورات الدنيا) ، واستقامته في مراتب العظمة ، واستشعار كنهها لكل منهم على قدر حظه من ذلك ، وفوق كل ذي علم عليم (وتختلف ذلك بالقوة ، والضعف ، والقلة ، والكثرة ، وبالجلاء ، والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه) كما هو (وينكشف لبعضهم الشيء بمثال) يحكي العين (كما كشف لبعضهم الدنيا) ، وهي معنى من المعاني المعقولة (في صورة جيفة) ، وهي الميتة من الدواب ، والمواشي إذا أنتنت سميت بذلك لتغير ما في جوفها (والشيطان في صورة كلب جاثم) ، أي : بارك ، وفي نسخة : حائم (عليها) ، أي : تلك الجيفة (يدعو الناس إليها) ، وقد أكثر الشعراء في هذا التصوير ، وأحسن ما سمعت ما نسب إلى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في أبيات يقول في وصف الدنيا وطالبها :


وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها



وما اشتهر على الألسنة : الدنيا جيفة ، وطلابها كلاب ؛ معناه صحيح ، ولكن لم يثبت لفظه هكذا .

(وتختلف أيضا بما فيه المكاشفة ، فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله) ، وعظمته ، وكبريائه (ولبعضهم) ينكشف (من) أسرار (أفعاله ، ولبعضهم) ينكشف (من) أسرار (دقائق علوم المعاملة ، ويكون لتعيين تلك المعاني في كل وقت أسباب كثيرة خفية) المدرك (لا تحصى) لكثرتها ، أو لخفائها (وأشدها مناسبة الهمة) ، وهي توجه القلب بجميع قواه الروحانية إلى جنات الحق (فإنها إذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف) ، فإن كانت باعثة على طلب الباقي ، وترك الفاني ، فهي همة الإفاقة ، وهي أول درجاتها ، وإن كانت تورث صاحبها الأنفة من طلب الأجر على العمل حتى يأنف قلبه أن يشتغل بتوقع ما وعد من الثواب ، فلا يفرغ إلى مشاهدة الحق ؛ بل يعبد الله على الإحسان ، فلا يفرغ من التوجه إلى الحق طلبا للقرب منه إلى طلب ما سواه ، وهذه هي همة الأنفة ، وهي ثاني درجاتها ، وإن كانت لا تتعلق إلا بالحق ، ولا تلتفت إلى غيره ، ولا ترضى بالأحوال ، والمقامات ، ولا بالوقوف مع الأسماء ، والصفات ، ولا تقصد إلا عين الذات ؛ فهي همة أرباب الهمم العالية ، وهي الدرجة الثالثة ، وهي أعلاها .




الخدمات العلمية