الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقد سمى الله عز وجل العلم فضلا في مواضع قال تعالى : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وقال تعالى : ولقد آتينا داود منا فضلا يعني العلم فتعلم العلم في هذا اليوم وتعليمه من أفضل القربات .

والصلاة أفضل من مجالس القصاص إذ كانوا يرونه بدعة ويخرجون القصاص من الجامع بكر ابن عمر رضي الله عنهما إلى مجلسه في المسجد الجامع ، فإذا قاص في موضعه فقال : قم عن مجلسي ، فقال : لا أقوم ، وقد جلست وسبقتك إليه فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة فأقامه فلو كان ذلك من السنة لما جازت إقامته فقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ، ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا .

، وكان ابن عمر إذا قام الرجل له من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه .

وروي أن قاصا كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى ابن عمر إن هذا قد آذاني بقصصه ، وشغلني عن سبحتي فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ظهره ، ثم طرده .

التالي السابق


ثم قال صاحب القوت: (وقد سمى الله تعالى العلم فضلا في مواضع) من كتابه (قال تعالى: وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) ، فسمى تعليمه ما لم يعلم فضلا، ومنه يقال للعالم الكامل هو الفاضل .

(وقال تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يعني العلم) بدليل قوله في الآية الأخرى: ولقد آتينا داود وسليمان علما الآية (فتعلم العلم) ، ومدارسته (في هذا اليوم) خاصة (و) كذا (تعليمه) للناس، والتذكير بالله، والدعوة إليه (من أفضل القربات) إلى الله تعالى يشترك فيه العالم، والمتعلم، وإنما كان في هذا اليوم أفضل؛ لأن يوم الجمعة أفضل من سائر الأيام؛ لأنه يوم المزيد، وللقلوب فيه إقبال، وتجديد، فكذلك الجلوس فيه بين يدي العلماء للتعليم أفضل من غيره من الأيام؛ ولذا كانوا يستحبون افتتاح الدروس في هذا اليوم طلبا للبركة، والمزيد، والانتفاع .

قال صاحب القوت: ومجالس العلماء في الجامع من زين يوم الجمعة، ومن تمام فضله. قال الحسن: الدنيا ظلمة إلا مجالس العلماء، ثم قال: وحضور مجالس العلم أفضل من الصلاة (والصلاة أفضل من مجالس القصاص) ؛ لأنهم يبطئون عن الغدو إلى الجامع في الساعة الأولى، والثانية اللتين ورد الفضل فيهما. وفي القوت: والصلاة إن عدم مجلس العلم بالله، والتفقه في دين الله أزكى من مجالس القصاص، ومن الاستماع إلى القصاص (إذ كانوا يرونه) ؛ أي: القص (بدعة) ظهرت في القرن الأول، وكانوا (يخرجون القصاص من الجامع) ، ويروى أنه (حضر) ، وفي نسخة: بكر.

وفي القوت: جاء (ابن عمر) -رضي الله عنهما- ذات يوم (إلى مجلسه) الذي (في المسجد، فإذا قاص يقص في موضعه) الذي كان يجلس فيه (فقال له: قم عن مجلسي، فقال له: لا أقوم، وقد جلست) فيه (وسبقتك إليه) ، ولفظ القوت: أو قال: وقد سبقتك إليه. قال: (فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة) يعني: الحاكم، والشرط كغرف أعوان الجند (فأقامه) من المجلس (ولو كان ذلك) ؛ أي: القص من السنة المعروفة (لما استحل إقامته) ؛ أي: ما جاز له أن يقيمه من مجلسه؛ سيما وقد سبقه إلى الموضع؛ كيف (فقد قال صلى الله عليه وسلم) فيما رواه عنه ابن عمر نفسه: (لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه، ثم يجلس فيه) . أخرجه مالك، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وأخرجه أحمد، والبخاري من حديثه بلفظ: لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه (ولكن تفسحوا، أو توسعوا) .

وأخرج الطبراني في الكبير، عن أبي بكر: لا يقوم الرجل للرجل من مكانه، ولكنه ليوسع الرجل لأخيه المسلم.

وأخرج الشافعي، ومسلم، عن جابر: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالفه إلى مقعده، فيقعد فيه، ولكن ليقل: افسحوا.

وأخرج الحاكم من حديث أبي بكرة: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ثم يقعد فيه، ولا تمسح يدك بثوب من لا تملك. (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (إذا قام له الرجل من [ ص: 279 ] مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه) ، كذا في القوت (وروي أن قاصا) من القصاص (كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها) ، فيقص، ويذكر، ويرفع صوته (فأرسلت إلى ابن عمر) تعلمه (أن هذا قد آذاني بقصصه، وشغلني عن سبحتي) ؛ أي: نوافلي، قال: (فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ظهره، ثم طرده) ، كذا في القوت، ورفع الصوت في المسجد حرام؛ لا سيما إذا شغل المصلين عن سبحتهم .

قلت: ظاهر لفظ البخاري من حديث ابن عمر: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقيم الرجل أخاه...الحديث - التحريم، فلا يصرف عنه إلا بدليل، فلا يجوز أن يقيم أحدا من مكانه، ويجلس فيه؛ لأن من سبق إلى مباح، فهو أحق به، وقد ذكر عن ابن عمر أنه أقام قاصا من موضعه، فإنما ذلك لأجل بدعته، وقد مر النهي عن التفرقة بين اثنين، وهي صادقة بأن يزحزح رجلين عن مكانهما، ويجلس بينهما، نعم لو قام الجالس باختياره، وأجلس غيره، فلا كراهة في جلوس غيره، ولو بعث من يقعد له في مكان ليقوم عنه إذا جاء هو جاز أيضا من غير كراهة، ولو فرش له نحو سجادة، فلغيره تنحيتها، والصلاة مكانها؛ لأن السبق بالأجساد لا بما يفرش، ولا يجوز له الجلوس عليها بغير رضاه، نعم لا يرفعها بيده، أو غيرها لئلا تدخل في ضمانه، واستنبط ابن جريج راوي هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر من قوله: ولكن يقول: تفسحوا؛ إن الذي يتخطى بعد الاستئذان لا كراهة في حقه. قاله القسطلاني.




الخدمات العلمية