الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وإن سقط رداؤه فلا ينبغي أن يسويه وكذلك أطراف عمامته فكل ذلك مكروه إلا لضرورة .

التالي السابق


(وإن سقط رداؤه) عن منكبيه (فلا ينبغي أن يسويه) بيده، أو بيديه (وكذا طرف عمامته) إن انفك (فكل ذلك مكروه إلا لضرورة) .

قال الرافعي: اعلم أن ما ليس من أفعال الصلاة ضربان؛ أحدهما: من جنسيتها، والثاني: ليس من جنسيتها، فالأول إذا فعله ناسيا لا تبطل صلاته، وأما الثاني: فاتفقوا على أن الكثير منه يبطل الصلاة، والقليل لا، وفي ضبط القليل والكثير أوجه أصحها أن الرجوع فيه للعادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلا؛ كالإشارة برد السلام، وخلع النعل، ولبس الثوب الخفيف، ونزعه، ونحو ذلك، وهو قول الأكثرين، وقالوا: الفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل قطعا، والثلاث كثير قطعا، والاثنان من القليل على الأصح، وأجمعوا على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى، فإن تفرق بينهما زمن لم يضر قطعا، وحد التفريق أن يعد الثاني منقطعا عن الأول .

وقال في التهذيب: عندي أن يكون بينهما قدر ركعة، ثم المراد بالفعلة الواحدة التي لا تبطل ما لم تتفاحش، فإن أفرطت أبطلت قطعا، وكذا قولهم: الثلاث المتواليات تبطل. أرادوا الخطوات، ونحوها، فأما الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في سبحة، أو حكة، أو عقد وحل، فالأصح أنها لا تضر، وإن كثرت متوالية، ونص الشافعي -رضي الله عنه- أنه لو كان يعد الآيات في صلاته عقدا باليد لم تبطل، ولكن الأولى تركه، وجميع ما ذكرناه إذا تعمد الفعل الكثير، فأما إذا فعله ناسيا، فالمذهب أن الناسي كالعامد، وبه قطع الجمهور، وقيل: فيه الوجهان، وقال أصحابنا في تعمد الفعل الكثير: الناسي والعامد سواء، ولا يعذر بالنسيان، وفي الفرق بين الكثير والقليل عندنا أقوال ثلاثة؛ أقربها إلى مذهب أبي حنيفة أنه يفوض إلى [ ص: 307 ] رأي المصلي؛ إن استكثره فكثير، وإلا فلا. قاله شمس الأئمة الحلواني؛ لأن مذهب الإمام التفويض إلى رأي المصلي في كثير من المواضع، ولما لم يكن ذلك مضبوطا، وتفويض مثله إلى رأي العوام مما لا ينبغي، خرجوا أكثر الفروع على أحد القولين، وهما: كل عمل لا يشك الناظر أنه في الصلاة؛ بل يظن غالبا أنه ليس في الصلاة، فهو عمل كثير، وما كان دون ذلك بأن يشتبه على الناظر ويتردد فيه، فهو قليل، والثاني: كل عمل يعمل باليدين عرفا وعادة فهو كثير، وما كان يعمل في العادة بيد واحدة فهو قليل ما لم يتكرر، وهذا القول اختيار أبي بكر محمد بن الفضل البخاري، واختيار عامة المشايخ على أول القولين. والله أعلم .

وذكر أصحابنا أن المصلي إذا رفع العمامة، أو القلنسوة عن رأسه، ووضع على الأرض، أو بالعكس، أو نزع القميص، أو تعمم،كل ذلك بيد واحدة من غير تكرار متوال يكره إذا كان من غير عذر. هكذا قالوه، لكن في نزع القميص إشكال؛ لأنه من عمل اليدين في الغالب، والمراد بقولهم: أو تعمم بيد واحدة؛ أي: سوى كور عمامته مرة، أو مرتين، لا أنه يتعمم حقيقة، فإنه من عمل اليدين، وإنما قيدوا الكراهة بعدم العذر؛ لأنه معه لا يكره، كما إذا خشي البرد، أو الحر أن يضره، فوضع العمامة على رأسه، أو أصابت ثوبه، أو عمامته نجاسة فنزع لأجلها؛ حيث لا يكره، بل ذكر في فتاوى الحجة أن رفع القلنسوة، أو العمامة بعمل قليل إذا سقطت أفضل من الصلاة مع كشف الرأس. والله أعلم .




الخدمات العلمية