الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن تذكر سجود السهو بعد خروجه من المسجد ، أو بعد طول الفصل ، فقد فات .

التالي السابق


(فإن تذكر سجود السهو بعد خروجه من المسجد، أو بعد طول الفصل، فقد فات) ، ولا سجود عليه، وفي القديم يسجد. زاد صاحب القوت: فإن كثر وهمه في الصلاة، أو لحقه وهم ليس بشك أحببت أن يجعل سجوده أبدا بعد السلام. اهـ .

قال الرافعي: وأما حد طول الفصل، ففيه الخلاف، والأصح الرجوع إلى العرف، وحاول إمام الحرمين ضبط العرف، فقال: إذا مضى زمن يغلب على الظن أنه أضرب عن السجود قصدا، أو نسيانا، فهذا طويل، وإلا فقصير، وقال: وهذا ما لم يفارق المجلس، فإن فارق ثم تذكر على قرب الزمان، ففيه احتمال عندي؛ لأن الزمان قريب، لكن مفارقته المجلس تغلب على الظن الإضراب عن السجود، قال: ولو سلم وأحدث، ثم انغمس في ماء على قرب الزمان، فالظاهر أن الحدث فاصل، وإن لم يطل الزمان، وقد نقل قول للشافعي أن الاعتبار في الفصل بالمجلس، فإن لم يفارقه سجد وإن طال الزمان، وإن فارقه لم يسجد وإن قرب الزمان، لكن هذا القول شاذ، والذي اعتمده الأصحاب العرف قالوا: ولا تضر مفارقة المجلس، واستدبار القبلة هذا تفريع على قولنا: سجود السهو قبل السلام. أما إذا قلنا بعده، فينبغي أن يسجد على قرب، فإن طال الفصل عاد الخلاف، وإذا سجد، فلا يحكم بالعود إلى الصلاة بلا خلاف .



(تنبيهات) :

الأول: قال الرافعي: في قاعدة متكررة في أبواب الفقه، وهي أنا إذا تيقنا وجود شيء، أو عدمه، ثم شككنا في تغييره وزواله عما كان عليه، فإنا نستصحب اليقين الذي كان، ونطرح الشك، فإذا شك في ترك مأمور يجبر تركه بالسجود، وهو الأبعاض، فالأصل أنه لم يقعد فيسجد للسهو .

قال في التهذيب: هذا إذا كان الشك في ترك مأمور معين، فأما إذا شك هل ترك مأمورا أم لا، فلا يسجد، كما لو شك هل سها أم لا، ولو شك في ارتكاب منهي كالسلام والكلام ناسيا، فالأصل أنه لم يفعل، ولا سجود، ولو تيقن السهو، وشك هل سجد له أم لا، فليسجد؛ لأن الأصل عدم السجود، ولو شك هل سجد للسهو سجدة أم سجدتين سجد أخرى، ولو شك هل صلى ثلاثا، أو أربعا أخذ بالأقل، وأتى بالباقي، وسجد للسهو، ولا ينفعه الظن، ولا أثر للاجتهاد في هذا الباب، ولا يجوز العمل فيه بقول غيره، وفيه وجه شاذ أنه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثير كانوا يرقبون صلاته، وكذلك الإمام إذا قام إلى ركعة ظنها رابعة، وعند القوم أنها خامسة، فبهذه لا يرجع إلى قولهم، وفي وجه شاذ يرجع إلى قولهم إن كثر عددهم .



الثاني: إذا شك في أثناء الصلاة في عدد الركعات، أو في فعل ركن، فالأصل أنه لم يفعل، فيجب البناء على اليقين كما تقدم، وإن وقع هذا الشك بعد السلام، فالمذهب أنه لا شيء عليه، ولا أثر لهذا الشك، وقيل: فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها هذا، والثاني: يجب الأخذ باليقين، فإن كان الفصل قريبا بنى، وإن طال استأنف، والثالث: إن قرب الفصل وجب البناء، وإن طال فلا شيء عليه .



الثالث: لا يتكرر السجود بتكرر السهو؛ بل تكفي سجدتان في آخر الصلاة، سواء تكرر نوع، أو أنواع .

[ ص: 319 ] قال الأئمة: ولا تتعدد حقيقة السجود، وقد تتعدد صورته في مواضع؛ منها المسبوق إذا سجد مع الإمام يعيده في آخر صلاته على المشهور، ومنها لو سها الإمام في صلاة الجمعة، فسجد للسهو، ثم بان قبل السلام خروج وقت الظهر، فالمشهور أنهم يتمونها ظهرا، أو يعيد سجود السهو؛ لأن الأول لم يقع في آخر الصلاة، ومنها لو ظن أنه سها في صلاته، فسجد للسهو، ثم بان قبل السلام أنه لم يسه، فالأصح أنه يسجد للسهو ثانيا؛ لأنه زاد سجدتين سهوا، والثاني: لا يسجد، ويكون السجود جابرا لنفسه ولغيره، ومنها لو سها المسافر في الصلاة المقصورة، فسجد للسهو، ثم نوى الإتمام قبل السلام أو صار مقيما بانتهاء السفينة إلى دار الإقامة، وجب إتمام الصلاة، ويعيد السجود قطعا، ومنها لو سجد للسهو، ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره، ففي وجه يعيد السجود، والأصح لا يعيده، كما لو تكلم، أو سلم ناسيا بين سجدتي السهو، أو فيهما، فإنه لا يعيده قطعا؛ لأنه لا يؤمن وقوع مثله في المعاد فيتسلسل، ولو سجد للسهو ثلاثا لم يسجد لهذا السهو، وكذا لو شك هل سجد للسهو سجدة أم سجدتين، فأخذ بالأقل، وسجد أخرى، ثم تحقق أنه كان سجد سجدتين لم يعد السجود، ومنها لو ظن سهوه بترك القنوت مثلا، فسجد له فبان قبل السلام أن سهوه لغيره أعاد السجود على وجه؛ لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر، والأصح أنه لا يعيده؛ لأنه قصد جبر الخلل، ولو شك هل سها أم لا، فجهل، وسجد للسهو أمر بالسجود لهذه الزيادة .



الرابع: السهو في صلاة النفل كالفرض على المذهب، وقيل: طريقان الجديد كذلك، وفي القديم قولان؛ أحدهما كذلك، والثاني: لا يسجد. حكاه القاضي أبو الطيب، وصاحبا الشامل والمهذب .



الخامس: لو سها سهوين؛ أحدهما بزيادة، والآخر بنقص، وقلنا: يسجد للزيادة بعد السلام، وللنقص قبله سجد هنا قبله على الأصح، وبه قطع المتولي، والثاني: بعده، وبه قطع البندنيجي، قال: وكذا الزيادة المتوهمة؛ كمن شك في عدد الركعات .



السادس: لو دخل في صلاة، ثم ظن أنه ما كبر للإحرام فاستأنف التكبير والصلاة، ثم علم أنه كان كبر أولا، فإن علم بعد فراغه من الثانية لم تفسد الأولى، وتمت الثانية، وإن علم قبل فراغ الثانية عاد إلى الأولى فأكملها، وسجد للسهو في الحالين. نقله في البحر عن نص الشافعي وغيره. والله أعلم. .



(فصل)

قال أصحابنا: إضافة السجود إلى السهو من قبيل إضافة الحكم إلى السبب، وهو الأصل في الإضافة؛ لأنها للاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب، وفرقوا بين السهو والنسيان بأن النسيان عزوب الشيء عن النفس بعد حضوره، والسهو قد يكون عما كان الإنسان عالما به، وعما لا يكون عالما به، وهو - أي: سجود السهو - واجب؛ لأنه ضمان فائت، وضمان الفائت لا يكون إلا واجبا، ولأنه شرع لجبر نقصان تمكن في العبادة، فيكون واجبا كالدعاء في الحج، وعندنا قول بسنيته استدلالا بقول محمد: إن العود إلى سجود السهو لا يرفع التشهد؛ كأنه يريد القعدة. قالوا: لو كان واجبا لرفعه كسجدة التلاوة، والصلبية، والصحيح الأول، ولهذا يرفع قراءة التشهد حتى لو سلم بمجرد رفعه من سجدتي السهو وصحت صلاته، ويكون تاركا للواجب، وكذا يرفع السلام، ولولا أنه واجب لما رفعهما، وإنما لا يرفع القعدة؛ لأنها أقوى منه لكونها فرضا بخلاف السجدة الصلبية؛ لأنها أقوى من القعدة لكونها ركنا، والقعدة لختم الأركان، وبخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها أثر القراءة، وهي ركن، فيصل لها حكمها، وقيل: إن سجدة التلاوة لا ترفع القعدة؛ لأنها واجبة، فلا ترفع الفرض، واختاره شمس الأئمة، والأول أصح، وهو المختار، وهو أصح الروايتين .



وسجود السهو سجدتان بتشهد وتسليم لما ذكرنا أن سجود السهو يرفع التشهد والسلام، فيجب إعادتهما، ويأتي فيه بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والدعاء، كما اختاره الكرخي، وقال فخر الإسلام: هو اختيار عامة أهل النظر من مشايخنا، وهو المختار عندنا، ووجوبه بشيء واحد، وهو ترك الواجب، ودخل فيه تقديم ركن وتأخيره، وتغيير واجب وتركه، وترك سنة تضاف إلى جميع الصلوات، نحو أن يترك التشهد في القعدة الأولى. ولا يسجد في العمد للسهو إلا في ثلاث مسائل؛ الأولى: ترك القعود الأول عمدا، والثانية تأخير سجدة

[ ص: 320 ] من الركعة الأولى عمدا، والثالثة تفكره عمدا حتى شغله عن مقدار ركن، ومحله بعد السلام في ظاهر الرواية على طريق السنية، وقيل: على طريق الوجوب، وهي رواية النوادر، فعليه لا يجوز قبله لتأديته قبل وقته، ويكتفي بتسليمة واحدة .

قال شيخ الإسلام وصاحب الإيضاح: وهو الأصح، ويكون على يمينه، وهو الأصح، وقيل: تلقاء وجهه ليكون فرقا بين سلام القطع، وسلام السهو، وفي الهداية يأتي بتسليمتين، وهو الصحيح على ما هو المعهود، فإن سجد قبل السلام كره تنزيها، ولا يعيده؛ لأنه مجتهد فيه، فإذا أداه وقع جائزا، ولو أعاده يؤدي إلى تكرار سجود السهو، ولم يقل به أحد. أما السجود قبل السلام، فقد قال به العلماء، فكان الاكتفاء به أولى، ويسجد المسبوق مع إمامه، ثم يمكث يسيرا بعد فراغ الإمام، ثم يقوم لقضاء ما سبق، وإنما قلنا: يمكث يسيرا بعد فراغ الإمام؛ لجواز أن يكون على الإمام سهو ليتابعه فيه، وفي الذخيرة، فإذا تيقن فراغ الإمام من صلاته يقوم إلى قضائه، ولا يسلم مع الإمام؛ لأنه في وسط الصلاة، ولو سها المسبوق فيما يقضيه سجد له أيضا لا اللاحق، ومن سها عن القعود الأول من الفرض عاد إليه ما لم يستو قائما في ظاهر الرواية، وهو الأصح، والمقتدي كالمتنفل يعود ولو استتم قائما، فإن عاد وهو إلى القيام أقرب سجد للسهو، وإن كان للقعود أقرب لا سجود عليه في الأصح، وإن عاد بعدما استتم قائما اختلف التصحيح في فساد صلاته، وإن سها عن القعود الأخير عاد ما لم يسجد، وسجد للسهو، فإن سجد صار فرضه نفلا برفع رأسه من السجود عند محمد، وهو المختار للفتوى، وضم سادسة إن شاء، ولو في العصر، ورابعة في الفجر، ولا كراهة في الضم فيهما على الصحيح، ولا يسجد في هذا الضم في الأصح، وإن قعد الأخير ثم قام، عاد وسلم من غير إعادة التشهد، فإن سجد لم يبطل فرضه وضم أخرى لتصير الزائدتان له نافلة، وسجد للسهو، ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه استحبابا، فإن بنى أعاد سجود السهو على المختار، ولو سلم من عليه سجود سهو فاقتدى به غيره صح إن سجد الساهي للسهو، وإلا فلا، ويسجد للسهو، وإن سلم للقطع ما لم يتحول عن القبلة، أو يتكلم، فإنهما يبطلان التحريمة، ولو توهم مصلي رباعية، أو ثلاثية أنه أتمها، فسلم، ثم علم أنه صلى ركعتين أتمها، وسجد للسهو إن طال تفكره، ولم يسلم حتى استيقن إن كان قدر أداء ركن وجب عليه سجود السهو، وإلا لا .



(فصل)

تبطل الصلاة عندنا بالشك في عدد ركعاتها إذا كان قبل إكمالها، وهو أول ما عرض له من الشك، أو كان غير عادة له، فتبطل به، فلو شك بعد سلامه لا يعتبر، إلا إن تيقن بالترك، ولو أخبره عدل بعد السلام أنه نقص من صلاته ركعة، وعند المصلي أنه أتم لا يلتفت إلى إخباره، وإن شك في صدقه أو كذبه، فعن محمد أنه يعيد احتياطا، وإن أخبره عدلان لا يعتبر شكه، ويجب الأخذ بقولهما، ولو اختلف الإمام والمؤتمون، فقالوا: ثلاثا، وقال: أربعا؛ إن كان على يقين لا يأخذ بقولهم، وإلا أخذ، وإن اختلف القوم والإمام مع فريق أخذ بقوله، ولو كان معه واحد، وإن كثر الشك تحرى، وعمل بغالب ظنه، فإن لم يغلب له ظن أخذ بالأقل، وقعد، وتشهد بعد كل ركعة ظنها آخر صلاته لئلا يصير تاركا فرض القعدة مع تيسير طريق يوصله إلى يقين عدم تركها، وكذا كل قعود ظنه واجبا، بأن وقع في رباعيته أنها الأولى، أو الثانية يجعلها أولى، ثم يقعد، ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يقعد، ثم يقوم، فيصلي ركعة أخرى، فيأتي بأربع قعدات؛ ثنتان مفروضتان؛ الثالثة، والرابعة، وقعدتان واجبتان، ولو شك أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد، ثم قام فصلى أخر، وقعد، ثم صلى الرابعة، ولو شك في الفجر، وهو في القيام أنها الثالثة، أو الأولى؟ لا يتم ركعة؛ بل يقعد قدر التشهد، ويرفض القيام، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يتشهد، ثم يسجد للسهو، ولو شك وهو ساجد أنها الأولى أو الثانية، فإنه يمضي فيها، سواء كان في السجدة الأولى أو الثانية، وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية يقعد قدر التشهد، ثم يصلي ركعة، ولو شك في صلاة الفجر في سجود الأولى أنه صلى ركعتين أو ثلاثا يتم ركعته بالسجدتين، وصحت صلاته، وإن كان الشك في السجدة الثانية فسدت صلاته. والله أعلم .




الخدمات العلمية