فمن لم يفهم على هذا الوجه فكأنه لم يفهم النية . نية الصلاة
فليس فيه إلا أنك دعيت إلى أن تصلي في وقت فأجبت وقمت فالوسوسة محض الجهل .
فإن هذه القصود وهذه العلوم تجتمع في النفس في حالة واحدة ولا تكون مفصلة الآحاد في الذهن بحيث تطالعها النفس وتتأملها .
وفرق بين حضور الشيء في النفس وبين تفصيله بالفكر والحضور مضاد للعزوب والغفلة وإن لم يكن مفصلا .
فإن من علم الحادث مثلا فيعلمه بعلم واحد في حالة واحدة ، وهذا العلم يتضمن علوما هي حاضرة وإن لم تكن مفصلة فإن من علم الحادث فقد علم الموجود والمعدوم والتقدم والتأخر والزمان وأن التقدم للعدم وأن التأخر للوجود فهذه العلوم منطوية تحت العلم بالحادث بدليل أن العالم بالحادث إذا لم يعلم غيره لو قيل له : هل علمت التقدم فقط أو التأخر أو العدم أو تقدم العدم أو تأخر الوجود أو الزمان المنقسم إلى المتقدم والمتأخر فقال : ما عرفته قط ، كان كاذبا وكان قوله مناقضا لقوله إني أعلم الحادث .
ومن الجهل بهذه الدقيقة يثور الوسواس فإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال .
ولو كلف نفسه ذلك في القيام لأجل العالم لتعذر عليه .
فبهذه المعرفة يندفع الوسواس وهو أن امتثال أمر الله سبحانه في النية كامتثال أمر غيره ثم أزيد على سبيل التسهيل والترخص .
وأقول لو لم يفهم الموسوس النية إلا بإحضار هذه الأمور مفصلة ولم يمثل في نفسه الامتثال دفعة واحدة وأحضر جملة ذلك في أثناء التكبير من أوله إلى آخره بحيث لا يفرغ من التكبير إلا وقد حصلت النية كفاه ذلك ولا نكلفه أن يقرن الجميع بأول التكبير أو آخره فإن ذلك تكليف شطط .
ولو كان مأمورا به لوقع للأولين سؤال عنه ولوسوس واحد من الصحابة في النية فعدم وقوع ذلك دليل على أن الأمر على التساهل فكيفما تيسرت النية للموسوس ينبغي أن يقنع به حتى يتعود ذلك وتفارقه الوسوسة ولا يطالب نفسه بتحقيق ذلك فإن التحقيق يزيد في الوسوسة .