الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وقال عبيد الله وهو يشهد وقال عثمان إذا احتضر الميت فلقنوه لا إله إلا الله فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة .

وقال عمر رضي الله عنه احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون : ولقنوهم لا إله إلا الله .

وقال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حضر ملك الموت رجلا يموت فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئا ، ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول : لا إله إلا الله ، فغفر له بكلمة الإخلاص .

وينبغي للملقن أن لا يلح في التلقين ، ولكن يتلطف فربما لا ينطق لسان المريض فيشق عليه ذلك ويؤدي إلى استثقاله التلقين وكراهيته للكلمة ويخشى أن يكون ذلك سبب سوء الخاتمة .

التالي السابق


(وقال عثمان) -رضي الله عنه- (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن حبان وابن خزيمة، وقد تقدم ورواه أبو يعلى بلفظ: وهو [ ص: 275 ] يعلم أن الله حق (وقال عبيد الله) وفي بعض النسخ: عبد الله (وهو يشهد) وهذا قد رواه البيهقي من حديث معاذ بلفظ من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا في قلبه دخل الجنة.

وروى الخطيب من حديث جابر: من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله فقد حل له أن يغفر له (وقال عثمان) -رضي الله عنه- (إذا احتضر الميت فلقنوه لا إله إلا الله فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة) قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي، حدثنا سليم بن عطاء الجزري، حدثنا سلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة، قال:عدنا مع عثمان مريضا، فقال له عثمان: قل: لا إله إلا الله، فقالها، فقال: والذي نفسي بيده لقد رمى بها خطاياه فحطمها حطما، فقلت: أشيء تقول أم شيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بل سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله، هذا هي للمريض فكيف هي للصحيح فقال: هي للصحيح أحطم.

(وقال عمر - رضي الله عنه- احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون: ولقنوهم لا إله إلا الله) هذا استدل به المصنف على قوله في الدرة الفاخرة، وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي، وساق هذا الأثر .

وقد رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين عن علي بن الجعد، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، قال: قال عمر، فساقه .

وقال أبو بكر المروزي في كتاب الجنائز، حدثنا القواريري، حدثنا يزيد بن زريع، أخبرنا يونس عن الحسن، قال: قال عمر -رضي الله عنه-: احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله فإنهم يرون ما لا ترون، ويقال لهم.

وقال المروزي أيضا: حدثنا سري، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس بمثله، وقال أيضا: حدثنا الثعلبي، حدثنا وكيع عن سفيان، عن برد، عن مكحول، قال: قال عمر: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، واعقلوا ما تسمعون من المطيعين منكم، فإنهم يخيل إليهم أمور صادقة.

وقال أيضا: حدثنا سريج، حدثنا إسماعيل، عن برد عن مكحول، بمثله .

قال السيوطي في الأمالي: هذا أثر لا بأس به، ورجال هذه الأسانيد ثقات، إلا أن الحسن ومكحولا لم يدركا عمر.

(وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: حضر ملك الموت رجلا يموت) أي: في حالة النزع لقبض الروح (فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئا، ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله، فغفر له بكلمة الإخلاص) بين به أن التوحيد المحض الخالص عن شوائب الشرك لا يبقى معه ذنب، فنجاسة الذنوب عارضة، والدافع لها قوي، وإنما سميت كلمة الإخلاص؛ لأن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص لله سمي خالصا .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب وإسناده جيد إلا أن في رواية البيهقي رجلا لم يسم، وسمي في رواية الطبراني، إسحاق بن يحيى بن طلحة، وهو ضعيف. اهـ .

قلت: وكذلك رواه الخطيب في التاريخ وابن لال في مكارم الأخلاق والديلمي، في مسند الفردوس ولفظهم: فشق أعضاءه فلم يجده عمل خيرا، فشق قلبه فلم يجد فيه خيرا ففك لحييه، والباقي سواء، ومما يناسب في الباب ما رواه الحاكم في تاريخه والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس: افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله، فإنه من كان أول كلامه لا إله إلا الله وآخر كلامه لا إله إلا الله، ثم عاش ألف سنة ما سئل عن ذنب واحد، قال البيهقي: متن غريب لم نكتبه إلا بهذا الإسناد .

وروى أبو نعيم في الحلية، من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع رفعه: احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا الله، وبشروهم بالجنة فإن الحليم من الرجال والنساء يتحير عند ذلك المصرع، الحديث .

وروى الطبراني والبيهقي في كتابه "الشعب، والدلائل"، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن ههنا غلاما قد احتضر فيقال له لا إله إلا الله، فلا يستطيع أن يقولها، قال: أليس كان يقولها في حياته؟ قالوا: بلى، قال: فما منعه منها عند موته، فنهض النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهضت معه حتى أتى الغلام، فقال: يا غلام قل لا إله إلا الله، قال: لا أستطيع أن أقولها، قال: ولم؟ قال لعقوق والدتي، قال: أحية؟ قال: نعم; قال: أرسلوا إليها فجاءته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابنك هو؟ قالت: نعم، قال: أرأيت لو أن نارا أججت فقيل لك: إن لم تشفعي فيه دفناه في هذه النار؟ فقالت: إذا [ ص: 276 ] كنت أشفع له قال: فأشهدي الله وأشهدينا بأنك قد رضيت، قالت : قد رضيت عن ابني، فقال: يا غلام قل: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الحمد لله الذي أنقذه من النار.

وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن المحاربي قال: حضرت رجلا الوفاة فقيل له قل: لا إله إلا الله، قال: لا أقدر كنت أصحب قوما يأمروني بشتم أبي بكر وعمر، وروى أبو يعلى والحاكم بسند صحيح من حديث طلحة وعمر -رضي الله عنهما- إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل حضره الموت إلا وجد روحه لها روحة حين تخرج من جسده، وكانت له نورا يوم القيامة، وفي لفظ: إلا نفس الله عنه، وأشرق لونه، ورأى ما يسره: لا إله إلا الله.

وروى أبو نعيم في الحلية عن فرقد السبخي قال: إذا حضر العبد الوفاة قال الملك صاحب الشمال لصاحب اليمين: خفف، فيقول صاحب اليمين: لا أخفف لعله يقول لا إله إلا الله فأكتبها، وروى الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وأبي سعيد معا: من قال عند موته: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا تطعمه النار أبدا، وروى الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص: هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين يوما مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد وإن برئ برئ مغفورا له.

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، وابن منيع في مسنده، من حديث أبي هريرة: ألا أخبرك بأمر حق، من تكلم به في أول مضجعه من مرضه نجاه الله من النار؟ قلت: بلى، قال: لا إله إلا الله يحيي ويميت وهو حي لا يموت، وسبحان الله رب العباد والبلاد، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال، الله أكبر كبرياء ربنا وجلاله وقدرته بكل مكان، اللهم إن كنت أمرضتني لتقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت له منك الحسنى، وأعذني من النار كما أعذت أولئك الذين سبقت لهم منك الحسنى، فإن مت في مرضك ذلك فإلى رضوان الله والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوبا تاب الله عليك.

وروى ابن عساكر عن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات من قالهن عند وفاته دخل الجنة: لا إله إلا الله الحليم الحكيم، ثلاث مرات، الحمد لله رب العالمين، ثلاث مرات، تبارك الله الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والمروزي عن أم الحسن قالت: كنت عند أم سلمة فجاءها إنسان فقال: فلان بالموت، فقالت: انطلق فإذا رأيته احتضر فقل: سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(وينبغي للملقن أن لا يلح في التلقين، ولكن يتلطف فربما لا ينطلق لسان المريض فيشق عليه ذلك ويؤدي إلى استثقاله التلقين وكراهيته للكلمة ويخشى أن يكون ذلك سبب سوء الخاتمة) كما روى الديلمي من حديث أبي هريرة: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، ولا تملوهم فإنهم في سكرات الموت، وقد تقدم قريبا، وروى أبو القاسم القشيري في أماليه من حديث أبي هريرة; إذا ثقلت مرضاكم فلا تملوهم قول: لا إله إلا الله، ولكن لقنوهم، فإنه لم يختم به لمنافق قط.



* (تنبيه) *

وقع للمصنف في الدرة الفاخرة: ونهي عن الإكثار بها عليهم، قال: السيوطي في أماليه: ينبغي ضبط نهي، بضم النون مبنيا للمفعول لا بالفتح مبنيا للفاعل معطوفا على قال; لأن النهي عن ذلك لم يرد في الحديث، وإنما ذكره السلف والفقهاء، قلت: بل ورد في ذلك من حديث أبي هريرة الذي عند الديلمي والذي عند القشيري وقد ذكر قبل ذلك .



* (فصل) *

ومن أظرف ما وقع في ذلك ما قال البيهقي في الشعب: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز الواعظ يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الساوي وراق أبي زرعة يقول: حضرت أبا زرعة وهو في السوق، يعني: بفتح السين، وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه التوحيد، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث، فقال محمد بن مسلم، حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح، وجعل يقول: ابن، ابن، ولم يجاوز فقال أبو حاتم: حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر، وسكت ولم يجاوز، والباقون سكتوا فقال أبو زرعة وهو في السوق: حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا عن عبد الحميد بن جعفر، عن ابن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عم معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. [ ص: 277 ] وتوفي أبو زرعة -رحمه الله تعالى- هكذا أخرجه السيوطي في أمالي الدرة الفاخرة من هذا الوجه، ورواه ابن الجوزي في كتاب الثبات، فقال: أخبرنا أبو منصور القزار، أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن شاذان، سمعت أبا جعفر التستري يقول: حضرنا أبا زرعة وكان في السوق فساقه، قلت: والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني من هذا الوجه، وأخرجه ابن منده من حديث أبي شيبة الخدري وأنشد السيوطي لنفسه في هذا المعنى:

لقن أخاك لدى الممات شهادة لا تستهبه ولا تلح وتبرم من كان آخر ما يقول شهادة الإ
خلاص يخلد في الجنات ويرحم






الخدمات العلمية