وقال الجريري: كنت عند الجنيد في حال نزعه وكان يوم الجمعة ويوم النيروز وهو يقرأ القرآن فختم ، فقلت : له في هذه الحالة يا أبا القاسم ، فقال : ومن أولى بذلك مني ، وهو ذا تطوى صحيفتي وقال رويم حضرت وفاة أبي سعيد الخراز وهو يقول .
حنين قلوب العارفين إلى الذكر وتذكارهم وقت المناجاة للسر أديرت كؤوس للمنايا عليهم
فأغفوا عن الدنيا كإغفاء ذي الشكر همومهمو جوالة بمعسكر
به أهل ود الله كالأنجم الزهر فأجسامهم في الأرض قتلى بحبه
وأرواحهم في الحجب نحو العلا تسري فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم
وما عرجوا من مس بؤس ولا ضر
وقيل للجنيد : إن
أبا سعيد الخراز كان كثير التواجد عند الموت ، فقال : لم يكن بعجب أن تطير روحه اشتياقا .
وقيل لذي النون عند موته ما تشتهي ؟ قال أن أعرفه قبل موتي بلحظة .
وقيل لبعضهم وهو في النزع : قل الله فقال إلى متى تقولون الله وأنا محترق بالله .
وقال بعضهم : كنت عند ممشاد الدينوري فقدم فقير وقال : السلام عليكم هل هنا موضع نظيف يمكن الإنسان أن يموت فيه قال ، فأشاروا إليه بمكان وكان ثم عين ماء فجدد الفقير الوضوء وركع ما شاء الله ومضى إلى ذلك المكان ومد رجليه ومات وكان أبو العباس الدينوري يتكلم في مجلسه فصاحت امرأة تواجدا فقال لها : موتي فقامت المرأة فلما بلغت باب الدار التفتت إليه وقالت قد مت : ووقعت ميتة .
ويحكى عن فاطمة أخت أبي علي الروذباري قالت : لما قرب أجل
أبي علي الروذباري ، وكان رأسه في حجري فتح عينيه وقال : هذه أبواب السماء قد فتحت ، وهذه الجنان قد زينت ، وهذا قائل يقول يا
أبا علي ، قد بلغناك الرتبة القصوى وإن لم تردها ثم أنشأ يقول .
وحقك لا نظرت إلى سواكا بعين مودة حتى أراكا
أراك معذبي بفتور لحظ وبالخد المورد من حياكا
وقيل للجنيد قل : لا إله إلا الله ، فقال : ما نسيته فأذكره وسأل جعفر بن نصير بكران الدينوري خادم
nindex.php?page=showalam&ids=14567الشبلي ما الذي رأيت منه فقال قال علي درهم مظلمة وتصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه ثم قال وضئني للصلاة ، ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك على لسانه فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات فبكى
جعفر وقال : ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة وقيل
لبشر بن الحارث لما احتضر وكان يشق عليه : كأنك تحب الحياة ، فقال : القدوم على الله شديد .
وقيل
لصالح بن مسمار ألا توصي بابنك وعيالك ؟ فقال : إني لأستحي من الله أن أوصي بهم إلى غيره ولما احتضر أبو سليمان الداراني أتاه أصحابه فقالوا أبشر فإنك تقدم على رب غفور رحيم ، فقال لهم : ألا تقولون احذر فإنك تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير ولما احتضر أبو بكر الواسطي قيل له : أوصنا فقال : احفظوا مراد الحق فيكم واحتضر بعضهم فبكت امرأته فقال لها ما يبكيك ؟ فقالت : عليك أبكي ، فقال : إن كنت باكية فابكي على نفسك فلقد بكيت لهذا اليوم أربعين سنة .
وقال الجنيد دخلت على
nindex.php?page=showalam&ids=14479سري السقطي أعوده في مرض موته فقلت : كيف تجدك ؟ فأنشأ يقول .
:
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي بي أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة لأروحه فقال : كيف ريح المروحة يجد من جوفه يحترق ، ثم أنشأ يقول .
:
القلب محترق والدمع مستبق والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا رب إن يك شيء فيه لي فرج فامنن علي به ما دام بي رمق
وحكي أن قوما من أصحاب
nindex.php?page=treesubj&link=32894_32884_32882الشبلي دخلوا عليه وهو في الموت فقالوا له : قل : لا إله إلا الله فأنشأ يقول .
إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج
وجهك المأمول حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج
لا أتاح الله لي فرجا يوم أدعو منك بالفرج
.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الْجُنَيْدِ فِي حَالِ نَزْعِهِ وَكَانَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَيَوْمَ النَّيْرُوزِ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَخَتَمَ ، فَقُلْتُ : لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ : وَمَنْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنِّي ، وَهُوَ ذَا تُطْوَى صَحِيفَتِي وَقَالَ رُوَيْمُ حَضَرْتُ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ الْخَرَّازِ وَهُوَ يَقُولُ .
حَنِينُ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ إِلَى الذَّكَرِ وَتِذْكَارُهُمْ وَقْتَ الْمُنَاجَاةِ لِلسِّرِّ أُدِيرَتْ كُؤُوسٌ لِلْمَنَايَا عَلَيْهِمْ
فَأَغْفَوْا عَنِ الدُّنْيَا كَإِغْفَاءِ ذِي الشُّكْرِ هُمُومُهُمُو جَوَّالَةٌ بِمُعَسْكِرِ
بِهِ أَهْلُ وُدِّ اللَّهِ كَالْأَنْجُمِ الزُّهْرِ فَأَجْسَامُهُمْ فِي الْأَرْضِ قَتْلَى بِحُبِّهِ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي الْحُجُبِ نَحْوَ الْعُلَا تَسْرِي فَمَا عَرَّسُوا إِلَّا بِقُرْبِ حَبِيبِهِمْ
وَمَا عَرَجُوا مِنْ مَسِّ بُؤْسٍ وَلَا ضُرِّ
وَقِيلَ لِلْجُنَيْدِ : إِنَّ
أَبَا سَعِيدٍ الْخَرَّازَ كَانَ كَثِيرَ التَّوَاجُدِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ بِعَجَبٍ أَنْ تَطِيرَ رُوحُهُ اشْتِيَاقًا .
وَقِيلَ لِذِي النُّونِ عِنْدَ مَوْتِهِ مَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ أَنْ أَعْرِفَهُ قَبْلَ مَوْتِي بِلَحْظَةٍ .
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ وَهُوَ فِي النَّزْعِ : قُلِ اللَّهُ فَقَالَ إِلَى مَتَى تَقُولُونَ اللَّهَ وَأَنَا مُحْتَرِقٌ بِاللَّهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُنْتُ عِنْدَ مِمْشَادٍ الدِّينَوَرِيِّ فَقَدِمَ فَقِيرٌ وَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَلْ هُنَا مَوْضِعٌ نَظِيفٌ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَمُوتَ فِيهِ قَالَ ، فَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِمَكَانٍ وَكَانَ ثَمَّ عَيْنُ مَاءٍ فَجَدَّدَ الْفَقِيرُ الْوُضُوءِ وَرَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَضَى إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَمَاتَ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّينَوَرِيُّ يَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ تَوَاجُدًا فَقَالَ لَهَا : مُوتِي فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَلَمَّا بَلَغَتْ بَابَ الدَّارِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ قَدْ مُتُّ : وَوَقَعَتْ مَيِّتَةً .
وَيُحْكَى عَنْ فَاطِمَةَ أُخْتِ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ قَالَتْ : لَمَّا قَرُبَ أَجَلُ
أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيِّ ، وَكَانَ رَأْسُهُ فِي حِجْرِي فَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ : هَذِهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ ، وَهَذِهِ الْجِنَانُ قَدْ زُيِّنَتْ ، وَهَذَا قَائِلٌ يَقُولُ يَا
أَبَا عَلِيٍّ ، قَدْ بَلَّغْنَاكَ الرُّتْبَةَ الْقُصْوَى وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ .
وَحَقِّكَ لَا نَظَرْتُ إِلَى سِوَاكَا بِعَيْنِ مَوَدَّةٍ حَتَّى أَرَاكَا
أَرَاكَ مُعَذِّبِي بِفُتُورِ لَحْظٍ وَبِالْخَدِّ الْمُوَرَّدِ مِنْ حَيَّاكَا
وَقِيلَ لِلْجُنَيْدِ قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ : مَا نَسِيتُهُ فَأَذْكُرَهُ وَسَأَلَ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ بَكْرَانَ الدِّينَوَرِيَّ خَادِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14567الشِّبْلِيِّ مَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنْهُ فَقَالَ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمُ مَظْلِمَةٍ وَتَصَدَّقْتُ عَنْ صَاحِبِهِ بِأُلُوفٍ فَمَا عَلَى قَلْبِي شُغْلٌ أَعْظَمُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَضِّئْنِي لِلصَّلَاةِ ، فَفَعَلْتُ فَنَسِيتُ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ وَقَدْ أُمْسِكَ عَلَى لِسَانِهِ فَقَبَضَ عَلَى يَدَيَّ وَأَدْخَلَهَا فِي لِحْيَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَبَكَى
جَعْفَرٌ وَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ لَمْ يَفُتْهُ فِي آخِرِ عُمَرِهِ أَدَبٌ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ
لِبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ لَمَّا احْتُضِرَ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ : كَأَنَّكَ تُحِبُّ الْحَيَاةَ ، فَقَالَ : الْقُدُومُ عَلَى اللَّهِ شَدِيدٌ .
وَقِيلَ
لِصَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ أَلَا تُوصِي بِابْنِكَ وَعَيَّالِكَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُوصِي بِهِمْ إِلَى غَيْرِهِ وَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ أَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا أَبْشِرْ فَإِنَّكَ تَقَدْمُ عَلَى رَبٍّ غَفُورٍ رَحِيمٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : أَلَّا تَقُولُونَ احْذَرْ فَإِنَّكَ تَقَدْمُ عَلَى رَبٍّ يُحَاسِبُكَ بِالصَّغِيرِ وَيُعَاقِبُكَ بِالْكَبِيرِ وَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ قِيلَ لَهُ : أَوْصِنَا فَقَالَ : احْفَظُوا مُرَادَ الْحَقِّ فِيكُمْ وَاحْتُضِرَ بَعْضُهُمْ فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ ؟ فَقَالَتْ : عَلَيْكَ أَبْكِي ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتِ بَاكِيَةً فَابْكِي عَلَى نَفْسِكِ فَلَقَدْ بَكَيْتُ لِهَذَا الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَقَالَ الْجُنَيْدُ دَخَلْتُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14479سَرِيٍّ السَّقَطِيِّ أَعُودُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَقُلْتُ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ .
:
كَيْفَ أَشْكُو إِلَى طَبِيبِي مَا بِي وَالَّذِي بِي أَصَابَنِي مِنْ طَبِيبِي
فَأَخَذْتُ الْمِرْوَحَةَ لِأُرَوِّحَهُ فَقَالَ : كَيْفَ رِيحَ الْمِرْوَحَةِ يَجِدُ مَنْ جَوْفُهُ يَحْتَرِقُ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ .
:
الْقَلْبُ مُحْتَرِقٌ وَالدَّمْعُ مُسْتَبِقُ وَالْكَرْبُ مُجْتَمِعٌ وَالصَّبْرُ مُفْتَرَقُ
كَيْفَ الْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَا قَرَارَ لَهُ مِمَّا جَنَاهُ الْهَوَى وَالشَّوْقُ وَالْقَلَقُ
يَا رَبِّ إِنْ يَكُ شَيْءٌ فِيهِ لِي فَرَجٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ بِهِ مَا دَامَ بِي رَمَقُ
وَحُكِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=32894_32884_32882الشِّبْلِيِّ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالُوا لَهُ : قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ .
إِنَّ بَيْتًا أَنْتَ سَاكِنُهُ ... غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى السَّرْجِ
وَجْهُكَ الْمَأْمُولُ حُجَّتُنَا يَوْمَ يَأْتِي النَّاسُ بِالْحُجَجِ
لَا أَتَاحَ اللَّهُ لِي فَرَجًا يَوْمَ أَدْعُو مِنْكَ بِالْفَرَجِ
.