وعن  ابن مسعود  رضي الله عنه أنه ، صلى الله عليه وسلم ، قال : يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء ، وذكر الحديث إلى أن ذكر وقت سجود المؤمنين ، قال : ثم يقول للمؤمنين : ارفعوا رءوسكم ، فيرفعون رءوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه فيضيء مرة ويخبو مرة ، فإذا أضاء قدم قدمه فمشى وإذا أظلم قام  . ثم ذكر مرورهم على الصراط على قدر نورهم ،  فمنهم من يمر كطرف العين ، ومنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالسحاب ، ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ، ومنهم من يمر كشد الفرس ، ومنهم من يمر كشد الرجل حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تجر منه يد وتعلق أخرى ، وتعلق رجل وتجر أخرى ، وتصيب جوانبه النار ، قال : فلا يزال كذلك حتى يخلص ، فإذا خلص وقف عليها ، ثم قال : الحمد لله ، لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها ، فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل وقال  أنس بن مالك  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصراط كحد السيف أو كحد الشعرة ، وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات ، وإن جبريل  عليه السلام لآخذ بحجزتي وإني لأقول : يا رب سلم سلم ، فالزالون والزالات يومئذ كثير . 
فهذه أهوال الصراط وعظائمه فطول فيه فكرك ؛ فإن أسلم الناس من أهوال يوم القيامة ، من طال فيها فكره في الدنيا ، فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد فمن خاف هذه الأهوال في الدنيا أمنها في الآخرة ولست أعني بالخوف رقة كرقة النساء تدمع عينك ويرق قلبك حال السماع ، ثم تنساه على القرب وتعود إلى لهوك ولعبك ، فماذا من الخوف في شيء بل من خاف شيئا هرب منه ، ومن رجا شيئا طلبه فلا ينجيك إلا خوف يمنعك عن معاصي الله تعالى ويحثك على طاعته وأبعد من رقة النساء خوف الحمقى إذا سمعوا الأهوال سبق إلى ألسنتهم الاستعاذة ، فقال أحدهم : استعنت بالله نعوذ بالله اللهم سلم سلم وهم مع ذلك مصرون على المعاصي التي هي سبب هلاكهم ، فالشيطان يضحك من استعاذتهم كما يضحك على من يقصده سبع ضار في صحراء ووراءه حصن فإذا رأى أنياب السبع وصولته من بعد قال بلسانه: أعوذ بهذا الحصن الحصين وأستعين بشدة بنيانه وإحكام أركانه فيقول ذلك بلسانه وهو قاعد في مكانه : فأنى يغني عنه ذلك من السبع ؟ وكذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن إلا قول : لا إله إلا الله صادقا ومعنى صدقه أن لا يكون له مقصود سوى الله تعالى ولا معبود غيره ، ومن اتخذ إلهه هواه فهو بعيد من الصدق في توحيده وأمره مخطر في نفسه فإن عجزت عن ذلك كله فكن محبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تعظيم سنته ومتشوقا إلى مراعاة قلوب الصالحين  من أمته ومتبركا بأدعيتهم ، فعساك أن تنال من شفاعته أو شفاعتهم ، فتنجو بالشفاعة إن كنت قليل البضاعة . 
     	
		
				
						
						
