فصل
*
nindex.php?page=treesubj&link=29462_29463_28742ما في المصحف هل هو نفس القرآن أو كتابته، وما في صدور القراء هل هو نفس القرآن أو حفظه؟
الجواب: أن الواجب أن نطلق ما أطلقه الكتاب والسنة، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بل هو قرآن مجيد nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22في لوح محفوظ [البروج: 22]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إنه لقرآن كريم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78في كتاب مكنون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه إلا المطهرون [الواقعة: 79]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=2وكتاب مسطور nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=3في رق منشور [الطور: 3]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2يتلو صحفا مطهرة [البينة: 2]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11كلا إنها تذكرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=12فمن شاء ذكره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13في صحف مكرمة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مرفوعة مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بأيدي سفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كرام بررة [عبس: 16].
[ ص: 19 ]
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=848833لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو». وقوله: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=658322استذكروا القرآن [فلهو أشد تفصيا] من صدور الرجال من النعم في عقلها»، وقوله: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=665207 [الجوف] الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب». وقد صححه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي.
فمن قال: القرآن في المصحف والصدور; فقد صدق. ومن قال: فيهما حفظه وكتابته; فقد صدق. ومن قال: القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور; فقد صدق.
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=29463_29462قال: إن المداد والورق أو صفة العبد أو فعله أو صوته قديم أو غير مخلوق; فهو مخطئ ضال. ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28742_29462_29463قال: إن ما في المصحف ليس هو كلام الله، أو: ما في صدور القراء ليس هو كلام الله، أو قال: إن القرآن العربي لم يتكلم به الله ولكن هو مخلوق أو صفة جبريل أو محمد، [ ص: 20 ] أو قال إن القرآن في المصاحف كما أن محمدا في التوراة والإنجيل; فهذا أيضا مخطئ ضال، فإن القرآن كلام الله، والكلام نفسه يكتب في المصحف بخلاف الأعيان، فإنه إنما يكتب اسمها وذكرها، فالرسول مكتوب في التوراة والإنجيل ذكره ونعته وكتابة المسميات، كما أن القرآن في زبر الأولين، [وكما أن أعمالنا في الزبر، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وإنه لفي زبر الأولين [الشعراء: 196]]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=52وكل شيء فعلوه في الزبر [القمر: 52].
فمحمد مكتوب في التوراة والإنجيل، كما أن القرآن في تلك الكتب، وكما أن أعمالنا في الكتب، وأما القرآن فهو نفسه مكتوب في المصاحف، ليس المكتوب ذكره والخبر عنه، كما يكتب اسم الله في الورق، ومن لم يفرق بين كتابة الأسماء والكلام وكتابة المسميات والأعيان ـ كما جرى لطائفة من الناس ـ فقد غلط غلطا سوى فيه بين الحقائق المختلفة، كما قد يجعل مثل هؤلاء الحقائق المختلفة شيئا واحدا كما قد جعلوا جميع أنواع الكلام معنى واحدا.
وكلام المتكلم يسمع تارة منه وتارة من المبلغ عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما
[ ص: 21 ] قال: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=650001إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
فهذا الكلام قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، فلفظه لفظ الرسول، ومعناه معنى الرسول، فإذا بلغه المبلغ عنه بلغ كلام الرسول بلفظه ومعناه، ولكن صوت الصحابي المبلغ ليس هو صوت الرسول صلى الله عليه وسلم.
nindex.php?page=treesubj&link=28424فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه، سمعه منه
جبريل، وبلغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمعه من
جبريل، وبلغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سمع وكتب وقرئ، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه [التوبة: 6]. وكلام الله تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقا بائنا عنه، بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائما به بدون قدرته ومشيئته، والسلف قالوا: لم يزل الله متكلما إذا شاء.
فإذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم [قائم] بذاته، بل لم يزل متكلما إذا شاء، فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم، وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير
[ ص: 22 ] مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، [وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء] بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة، وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف.
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره من
nindex.php?page=treesubj&link=29453السلف ينكرون على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. ويقولون: من قال: هو مخلوق فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع. فإن اللفظ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظا، ويراد باللفظ الملفوظ به، وهو نفس الحروف المنطوقة.
فَصْلٌ
*
nindex.php?page=treesubj&link=29462_29463_28742مَا فِي الْمُصْحَفِ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَتُهُ، وَمَا فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْقُرْآنِ أَوْ حِفْظُهُ؟
الْجَوَابُ: أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ نُطْلِقَ مَا أَطْلَقَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [الْبُرُوجِ: 22]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ [الْوَاقِعَةِ: 79]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=2وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=3فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطُّورِ: 3]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً [الْبَيِّنَةِ: 2]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=12فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بِأَيْدِي سَفَرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عَبَسَ: 16].
[ ص: 19 ]
وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=848833لَا يُسَافَرُ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ». وَقَوْلُهُ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=658322اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ [فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا] مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ فِي عُقُلِهَا»، وَقَوْلُهُ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=665207 [الْجَوْفُ] الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ». وَقَدْ صَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ.
فَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ; فَقَدْ صَدَقَ. وَمَنْ قَالَ: فِيهِمَا حِفْظُهُ وَكِتَابَتُهُ; فَقَدْ صَدَقَ. وَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ; فَقَدْ صَدَقَ.
وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29463_29462قَالَ: إِنَّ الْمِدَادَ وَالْوَرَقَ أَوْ صِفَةَ الْعَبْدِ أَوْ فِعْلَهُ أَوْ صَوْتَهُ قَدِيمٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ; فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ. وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28742_29462_29463قَالَ: إِنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ: مَا فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ اللَّهُ وَلَكِنْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ صِفَةُ جِبْرِيلَ أَوْ مُحَمَّدٍ، [ ص: 20 ] أَوْ قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ فِي الْمَصَاحِفِ كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ; فَهَذَا أَيْضًا مُخْطِئٌ ضَالٌّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ نَفْسُهُ يُكْتَبُ فِي الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُكْتَبُ اسْمُهَا وَذِكْرُهَا، فَالرَّسُولُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ذِكْرُهُ وَنَعْتُهُ وَكِتَابَةُ الْمُسَمَّيَاتِ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، [وَكَمَا أَنَّ أَعْمَالَنَا فِي الزُّبُرِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=196وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ [الشُّعَرَاءِ: 196]]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=52وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ [الْقَمَرِ: 52].
فَمُحَمَّدٌ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَكَمَا أَنَّ أَعْمَالَنَا فِي الْكُتُبِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ نَفْسُهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، لَيْسَ الْمَكْتُوبُ ذِكْرَهُ وَالْخَبَرَ عَنْهُ، كَمَا يُكْتَبُ اسْمُ اللَّهِ فِي الْوَرَقِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كِتَابَةِ الْأَسْمَاءِ وَالْكَلَامِ وَكِتَابَةِ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْأَعْيَانِ ـ كَمَا جَرَى لِطَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ ـ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا سَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَلِفَةِ، كَمَا قَدْ يَجْعَلُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ شَيْئًا وَاحِدًا كَمَا قَدْ جَعَلُوا جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مَعْنًى وَاحِدًا.
وَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ يُسْمَعُ تَارَةً مِنْهُ وَتَارَةً مِنَ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
[ ص: 21 ] قَالَ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=650001إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
فَهَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَلَفْظُهُ لَفْظُ الرَّسُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الرَّسُولِ، فَإِذَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ بَلَّغَ كَلَامَ الرَّسُولِ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، وَلَكِنْ صَوْتُ الصَّحَابِيِّ الْمُبَلِّغِ لَيْسَ هُوَ صَوْتَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
nindex.php?page=treesubj&link=28424فَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، سَمِعَهُ مِنْهُ
جِبْرِيلُ، وَبَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ سَمِعَهُ مِنْ
جِبْرِيلَ، وَبَلَّغَهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَيْثُ سُمِعَ وَكُتِبَ وَقُرِئَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التَّوْبَةِ: 6]. وَكَلَامُ اللَّهِ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ بِنَفْسِهِ، تَكَلَّمَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، لَيْسَ مَخْلُوقًا بَائِنًا عَنْهُ، بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، مَعَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَيْسَ قَائِمًا بِهِ بِدُونِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَالسَّلَفُ قَالُوا: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ.
فَإِذَا قِيلَ: كَلَامُ اللَّهِ قَدِيمٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، وَلَا كَلَامُهُ مَخْلُوقٌ، وَلَا مَعْنًى وَاحِدٌ قَدِيمٌ [قَائِمٌ] بِذَاتِهِ، بَلْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ نَفْسَ الْكَلَامِ الْمُعَيَّنِ قَدِيمٌ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ
[ ص: 22 ] مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ، وَلَا قَالُوا: إِنَّ كَلَامَهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَلَا قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ أَوْ حُرُوفُهُ وَأَصْوَاتُهُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ، [وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْحُرُوفِ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا بِهَا إِذَا شَاءَ] بَلْ قَالُوا: إِنَّ حُرُوفَ الْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْحُرُوفَ.
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=29453السَّلَفِ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَيَقُولُونَ: مَنْ قَالَ: هُوَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ. فَإِنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لَفِظَ يَلْفِظُ لَفْظًا، وَيُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَلْفُوظُ بِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الْحُرُوفِ الْمَنْطُوقَةِ.