الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة من كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا [التحريم: 8]. هل هذا اسم رجل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى قوله: (نصوحا) ؟

الجواب:

الحمد لله.

قال عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة والتابعين: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود إليه. [ ص: 279 ]

ونصوح: هو صفة للتوبة، وهو مشتق من النصح والنصيحة.

وأصل ذلك هو الخلوص، يقال: فلان ينصح لفلان، إذا كان يريد له الخير إرادة خالصة لا غش فيها. وفلان يغشه إذا كان باطنه يريد السوء، وهو يظهر إرادة الخير، كالدرهم المغشوش.

ومنه قوله تعالى: ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله [التوبة: 91]. أي: أخلصوا لله ورسوله قصدهم وحبهم.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « الدين النصيحة، الدين النصيحة»، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

فإن أصل الدين هو حسن النية وإخلاص القصد; ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم». أي هذه الخصال الثلاث لا يحقد عليها قلب المسلم، بل [ ص: 280 ] يحبها ويرضاها.

فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش. وإذا كانت كذلك كانت ثابتة، فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمتى خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب. فهذه التوبة النصوح. وهي واجبة كما أمر الله تعالى.

ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة. فقد روى الإمام أحمد في « مسنده» عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله يحب العبد [ ص: 281 ] المفتن التواب»، وفي حديث آخر: « لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار». وفي حديث آخر: « ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة».

ومن قال من الجهال: إن (نصوحا) اسم رجل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يتوبوا كتوبته، فهذا رجل مفتر كذاب جاهل بالحديث والتفسير، جاهل باللغة ومعاني القرآن، فإن هذا امرؤ لم يخلقه الله تعالى، ولا كان من المتقدمين أحد اسمه (نصوح) ، ولا ذكر هذه القصة أحد من أهل العلم. ولو كان كما زعم الجاهل لقيل: توبوا إلى الله توبة نصوح، وإنما قال: توبة نصوحا . فالنصوح هي التوبة لا التائب. [ ص: 282 ]

ومن قال: إن المراد بهذه الآية رجل أو امرأة اسمه (نصوح) ، وأنه كان على عهد عيسى عليه السلام أو غيره; فإنه كاذب يجب عليه أن يتوب من هذا، فإن لم يتب وجب عقوبته بإجماع المسلمين، والله أعلم.

تمت.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية