وأما الحكم بين الناس فهو في الحدود والحقوق:
فالحدود; مثل إقامة الحدود على قطاع الطريق، وشراب الخمور، والمعلنين بالفواحش المحرمة، والمظهرين للبدع المخالفة للكتاب والسنة. كل من تعدى حدود الله فإنه يعاقب بما شرعه الله ورسوله،
والحقوق; مثل ما بين الناس من الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحو ذلك.
والمقصود بذلك كله أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله تعالى يقول في كتابه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [الأنفال: 39].
ولهذا وإن ادعى الإسلام، كما قاتل أوجب على المسلمين أن يقاتلوا من خرج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مانعي الزكاة. أبو بكر الصديق
-رضي الله عنه- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن لأبي بكر الصديق محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». فقال له فإن الزكاة من حقها. قال [ ص: 234 ] أبو بكر: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. عمر: وقال
واتفق الصحابة على قتال أقوام كانوا يصلون ويصومون شهر رمضان إذا خرجوا عن بعض شرائع الإسلام، وقد تواتر في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الخوارج فقال: « وهؤلاء قاتلهم أمير المؤمنين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه من صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد». مع الصحابة. علي بن أبي طالب
فإذا كان هؤلاء مع كثرة صومهم وصلاتهم وقراءتهم قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، لخروجهم عن شرائع المسلمين ...* * *
... [ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه] لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء: 125]. وقال [ ص: 235 ] تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف: 110].
فالمسلم يفعل ذلك إيمانا واحتسابا; إيمانا بأن الله تعالى أمره بذلك، واحتسابا بالأجر على الله، كما قال -رضي الله عنه-: « عمر بن الخطاب لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له».
فإن الإنسان إذا أطاع ذا سلطان أو نصح الأمة; للرغبة إلى الخلق والرهبة منهم كان عبد السوط والدرهم. كما ثبت في « الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط».
والخميصة: كساء يلبس. والقطيفة: ما يجلس عليه.
فدعا على من يكون عبد النفقة والكسوة، وإنما المؤمن عبد الله، [ ص: 236 ] يعبد الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وإذا كان ذا ولاية عد ما يفعله من العدل والإحسان عبادة لله تعالى يتقرب بها إليه. وإن كان من الرعية عد طاعته في طاعة الله، ونصيحته عبادة لله يتقرب بها إلى الله، وذلك كله داخل في قوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب [المائدة: 2].