الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في بعض فضائل أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في الحث على التمسك بهم ، وبكتاب الله عز وجل

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي وحسنه عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : "إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي" .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه -رضي الله تعالى عنهم- بأهل البيت -رضي الله تعالى عنهم-

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي وحسنه والعسكري في الأمثال عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي ، وإن كرشي الأنصار ، فاعفوا عن مسيئهم ، واقبلوا من محسنهم" .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الديلمي في مسنده بلفظ : "ألا إن عيبتي أهل بيتي ، والأنصار أثق بهم ، وأطلعهم على أسراري ، وأعتمد عليهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب : معنى كرشي باطني ، وعيبتي ظاهري وجمالي ، وهذا غاية من التعطف عليهم ، والوصية بهم ، وأما قوله : "وتجاوزوا عن مسيئهم" هو من نمط قوله صلى الله عليه وسلم : "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" إذ أهل البيت النبوي والأنصار من ذوي الهيئات .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في أنهم أمان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والطبراني وابن عساكر ، عن سلمة بن الأكوع -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت أتاها ما توعدون ، وأنا أمان لأصحابي ، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون ، وأهل بيتي أمان لأمتي ، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 7 ] وروى الحاكم -ضعيف- عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم ، ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض" .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أنهم لا يقاس بهم أحد

                                                                                                                                                                                                                              روى الديلمي وعمر الملا عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد" .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في الحث على حفظهم

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال : ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الديلمي عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة : المكرم لذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه ، والمحب لهم بقلبه ولسانه" .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في بشارتهم بالجنة ورفع منزلتهم

                                                                                                                                                                                                                              بالوقوف عند ما أوجبه الشارع وسنه ، تقدمت في الباب الأول عدة أحاديث في التنصيص على شفاعته صلى الله عليه وسلم وغضبه حيث قيل : إنهم لا ينتفعون بقرابته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الجصاص عن زيد بن علي -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى [الضحى : 5] قال : إن من رضى رسول الله أن يدخل أهل بيته الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الثعلبي عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس فقال لي : "أما ترضى أن تكون رابع أربعة ؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند رواه عن أبي رافع -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي -رضي الله تعالى عنه- : "إنا أول أربعة يدخلون الجنة ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وذريتنا خلف أظهرنا ، وأزواجنا خلف ذريتنا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السري والديلمي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "نحن بنو عبد المطلب [ ص: 8 ] سادات أهل الجنة ، أنا وحمزة ، وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي في الفردوس" .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سألت ربي- تبارك وتعالى- أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي" .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في حثه والتحذير من بغضهم وأذاهم

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في الأوسط ، والديلمي ، وسنده واه ، عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أول من يرد علي الحوض أهل بيتي ، ومن أحبني من أمتي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ، والبيهقي في "الشعب" وابن سعد وابن الجوزي -فذكر هذا الحديث في العلل- عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني بحب الله -تعالى- وأحبوا أهل بيتي بحبي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من آذاني في أهلي فقد آذى الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أبغض أهل البيت فهو منافق" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في "الثواب" والبيهقي في "الشعب" والديلمي عن ابن أبي ليلى -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحب إليه من عترته ، وأهلي أحب إليه من أهله ، وإني أحب إليه من ذاك" .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يبغضنا إلا منافق -وفي لفظ- : لا يبغضنا أهل البيت إلا شقي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم وابن حبان وصححاه عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ، لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار" .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال لمعاوية بن خديج -رحمه الله تعالى- : يا معاوية ، إياك وبغضنا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يبغضنا ، ولا يحسدنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر البرقاني ، عن الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من سب أهل البيت فإنما يسب الله ورسوله" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 9 ] وروى أيضا عنه قال : من والانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عبد الله بن حسن بن حسين قال : كفى بالمحب لنا أن أنسبه إلى من يحبنا ، وكفى بالمبغض لنا أن أنسبه إلى من يبغضنا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من آذاني وعترتي فعليه لعنة الله" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الديلمي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من آذاني في عترتي فقد آذى الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا بلا إسناد عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في "الدعاء" عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خمسة أو ستة لعنتهم وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك للسنة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة الله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن علي -رضي الله تعالى عنه- عن درة بنت أبي لهب -رضي الله تعالى عنها- قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال : "ما بال الرجال يؤذونني في أهلي ؟ ! والذي نفسي بيده ، لا يؤمن عبد حتى يحبني ، ولا يحبني حتى يحب ذوي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وأبو الشيخ عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن لله -عز وجل- ثلاث حرمات ، من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا آخرته" قلت : ما هن ؟ قال : "حرمة الإسلام ، وحرمتي ، وحرمة رحمي" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية