الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي عشر في إرساله- صلى الله عليه وسلم- دحية بن خليفة الكلبي - رضي الله تعالى عنه- إلى قيصر

                                                                                                                                                                                                                              هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي أسلم قديما ، ولم يشهد بدرا شهد المشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد بدر ، وكان يتشبه بجبريل - صلى الله عليه وسلم- ، كان جبريل ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بصورته ، وكان من أجمل الناس ، يروى أنه كان إذا قدم من الشام لم يبق امرأة إلا خرجت تنظر إليه ، بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر في الهدنة سنة خمس قاله خليفة : وقال محمد بن عمر : لقيه بحمص سنة سبع ، وقال في المنهل : وظاهر الخبر يدل على أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسله إليه مرتين : الأولى في الهدنة ، والثانية في تبوك ، قلت : أرسله من تبوك . رواه أبو يعلى وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند ، وأبو نعيم ، وابن عساكر عن سعيد مولى راشد عن التنوخي رسول هرقل فأرسله في الهدنة - رواه البخاري عن ابن عباس عن أبي سفيان كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن أبي سفيان والبيهقي عن موسى بن عقبة وأبو نعيم عن عبد الله بن شداد عن أبي سفيان والبيهقي عن الزهري والبزار وأبو نعيم وابن عساكر عن دحية ، وأبو نعيم وابن إسحاق عن ابن عباس عن أبي سفيان قال : حدثني أسقف من النصارى ، وقد أدرك ذلك الزمان أنه لما كانت الهدنة ، هدنة الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وكفار قريش ورد أبو سفيان تاجرا إلى الشام ، مع رهط من قريش ، وكان متجرهم من الشام عدة من أرض فلسطين فخرجوا حتى قدموها ، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس ، فأخرجهم منها ورد عليه صليبه الأعظم ، وقد كان استلبه إياه فلما بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من أرض الشام فخرج منها يمشي شاكرا إلى بيت المقدس ليصلي به فبسط له البسط ، وطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيليا فصلى فيها ، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيها الملك ، لقد أصبحت مهموما ، وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم- فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان ، وقد ظهر فيمن يختن من هذه الأمة ، فقالوا : والله ، ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مدائن ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود وتستريح من هذا الغم ، فبينما هم على أمرهم إذ أتاهم صاحب ملك غسان صاحب بصرى برجل من العرب وقد وقع إليهم قال : أيها الملك ، هذا رجل من العرب من أهل الشام ، لا بد أن يحدثك عن حديث كان ببلاده ، فلما أن انتهى إليه قال لترجمانه : اسأله ما كان الخبر الذي ببلاده ، فسأله ، [ ص: 353 ]

                                                                                                                                                                                                                              فقال : هو رجل من قريش يخرج ، يزعم أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون ، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن فخرجت من بلادي وهم على ذلك فلما أخبره الخبر ، قال : جردوه هو مختون ، فقال : هذا والله الذي رأيت أعطوه ثوبه ، انطلق لشأنك
                                                                                                                                                                                                                              ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث دحية إلى قيصر صاحب الروم بكتاب ، فاستأذن ، فقال : استأذنوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى قيصر فقيل : إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك ، وقال : أدخلوه ، فأدخل عليه وعنده بطارقته ، فأعطاه الكتاب وقرأ عليه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل عظيم الروم ، وفي رواية «صاحب الروم وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال : لا تقرإ الكتاب ، لأنه بدأ بنفسه ، وكتب (صاحب الروم » ولم يكتب «ملك الروم » .

                                                                                                                                                                                                                              فقال : إن يكن بدأ بنفسه فهو الذي كتب إلي .

                                                                                                                                                                                                                              وإن كان سماني صاحب الروم ، فأنا صاحب الروم ليس لهم صاحب غيري ، فجعل يقرأ الكتاب وهو يعرق جبينه من كرب الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم » سلام على من اتبع الهدى : أما بعد فإن أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين وفي رواية «الأكارين» قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون

                                                                                                                                                                                                                              » فلما قرئ الكتاب قال قيصر : هذا كتاب لم أسمع بمثله بعد سليمان بن داود ، ثم أمرهم فخرجوا من عنده فبعث إلى الأسقف ، فدخلت عليه فسألني فأخبرته وكان صاحب أمرهم ، يصدرون عن قوله ورأيه ، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف : هو والله الذي لا إله إلا هو الذي بشرنا به عيسى ابن مريم ، وموسى ، والذي ننتظره ، فقال قيصر : فما تأمرني ؟ قال الأسقف : أما أنا فمصدقه ومتبعه ، فقال قيصر لصاحب شرطته : قلت لي الشام ظهر البطن حتى يؤتى برجل من قدم هذا فأسأله عن شأنه ، قال أبو سفيان : فو الله ، إني وأصحابي كبعرة إذ هجم علينا ، فسأل ممن أنتم ؟

                                                                                                                                                                                                                              فأخبرناه ، فساقنا إليه جميعا ، وكان أبو سفيان وكفار قريش فأتوهم وهم بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ، ودعا بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل ؟

                                                                                                                                                                                                                              الذي يزعم- أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا ، فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه ، فاجعلوهم خلف ظهره ثم قال لترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه ، قال أبو سفيان : فو الله ، لولا أن يؤثر عني الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                                                                              أحد قبله ؟ قلت : لا ، قال : فهل كان من آبائه ملك قلت : لا ، قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم ، قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر قلت : لا ، ونحن الآن معه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال : فما كلمني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه ، قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما كان يعبد آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف ، والصلة ، فقال لترجمانه : قل له : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك : هل قال أحد منكم هذا القول قبله ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل تأسى بقول قيل قبله ، وسألتك : هل من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت : رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله ، وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك : أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم ، وسألتك :

                                                                                                                                                                                                                              أيرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب ، وسألتك : هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون وسألتك : بم يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ، فإن كان ما تقول حقا ، فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظنه منكم ، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ، ثم قال : الحق بشأنك ، قال : فقمت أضرب بإحدى يدي على الأخرى وأقول : يا عباد الله ، لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أصبح ملوك بني الأصفر يخافونه في سلطانهم ، فما زلت موقنا أنه سيظهر ثم أخذ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعه فوق رأسه ثم قبله وطواه في الديباج ، والحرير ، وجعله في سقط صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ولم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل بخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه ، فأمر بعظماء الروم ، فجمعوا له في دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأغلقت عليهم ، ثم اطلع عليهم من علية له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم ، إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله النبي الذي ينتظر لا شك فيه الذي بشر به عيسى ، وإنه والله النبي الذي ننتظره ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته [ ص: 355 ]

                                                                                                                                                                                                                              وزمانه ، فأسلموا واتبعوه ، تسلم لكم آخرتكم ودنياكم فنخروا نخرة رجل واحد ، وحاصوا حيصة حمير الوحش ، وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فلما رأى هرقل نفرتهم يئس من الإيمان وخافهم ، قال : ردوهم علي فردوهم عليه ، فقال : يا معشر الروم ، إنما قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، وقد رأيت ما يسرني ، فوقعوا له سجدا ورضوا عنه ، فقال الأسقف قاضيه : أشهد أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذوه فما زالوا يضربونه ويعضونه حتى قتلوه ،

                                                                                                                                                                                                                              فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك : إنه يبعث أمة وحده ،

                                                                                                                                                                                                                              ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا ، فقال دحية : ثم بعث إلي من الغد سرا فأدخلني بيتا عظيما فيه ثلاثمائة وثلاثة وعشرون صورة ، فإذا هي صور الأنبياء والمرسلين قال : انظر أين صاحبك من هؤلاء ، فرأيت صورة النبي- صلى الله عليه وسلم- كأنه ينطق ، قلت : هذا ، قال : صدقت ، فقال : صورة من هذا عن يمينه ؟ ، قلت :

                                                                                                                                                                                                                              رجل من قومه ، يقال له أبو بكر ، قال : فمن ذا الذي عن يساره ؟ قلت : رجل من قومه ، يقال له عمر ، قال : إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين ، يتم الله هذا الدين ،

                                                                                                                                                                                                                              فلما قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخبرته ، فقال : صدق بأبي بكر وعمر ، يتم الله هذا الدين بعدي
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية-

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند وابن عساكر عن سعيد ابن أبي راشد قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت : ألا تخبرني عن رسالة هرقل ؟ قال : بلى ، قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك ، فبعث دحية إلى هرقل ، فلما جاء كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا قسيس الروم وبطارقتهم ، ثم أغلق عليه وعليهم الدار ، فقال : إن هذا الرجل أرسل يدعوني ، وو الله لقد قرأتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي ، فهلم إلي أن نتبعه فنخروا نخرة رجل واحد ، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا الروم ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              إنما قلت لأعلم صلابتكم على أمركم بينكم ، ثم إنه دعاني فقال : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل ، فما ضيعت من حديثه فاحفظ لي ثلاث خصال انظر هل تذكر الصحيفة التي كتبت إلي بشيء انظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل وانظر في ظهره ؟ هل به شيء يريبك ، فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك ، فناولت كتابي فقال : يا أخا تنوخ ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه ، والله ممزقه وملكه وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فحرقها ، والله محرقه ، ومحرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ولن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش ، قلت : هذه إحدى الثلاث الذي أوصاني ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره فقرأها فإذا فيها يدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : أين الليل إذا جاء النهار ؟ ثم قال : فقال : يا أخا تنوخ ، فهل حبوته عن ظهره ثم قال : ها هنا امض لما أمرت فجلت في ظهره ، فإذا النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة ، وفي رواية فكتبه في جفن (سيفي ) فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال : إن لك حقا ، وإنك رسول الله فلو [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                              وجدت عندنا جائزة جوزناك بها ، إنا سفراء مرسلون قال : فناداه رجل من طائفة الناس ، أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يجمله بجائزة صفورية فوضعها في حجري ، فقلت : من صاحب الجائزة ؟

                                                                                                                                                                                                                              قيل لي : عثمان ، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : أيكم ينزل هذا الرجل ؟ : فقال فتى من الأنصار :

                                                                                                                                                                                                                              أنا ، فقام الأنصاري ، وقمت معه ، حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقال : يا أخا تنوخ ، تعال تعال ، يا أخا تنوخ ، فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في المجلس الذي كنت بين يديه ، فحل حبوته عن ظهره ، وقال : ههنا امض لما أمرت له فجلت في ظهره فإذا خاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة . قال محمد بن عمر : فانصرف الرجل إلى هرقل ، فذكر ذلك له فدعا قومه إلى التصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فأبوا حتى خالفهم عن ملكه ، وهو في موضعه بحمص ثم لم يتحرك ، ولم يزحف وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه ودنوه إلى أرض الشام بالجلاء ، ولم يرد ذلك ولا هم به
                                                                                                                                                                                                                              . وذكر السهيلي - رحمه الله تعالى- أن هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- هدية وفرقها على المسلمين ، وأن هرقل أمر مناديا : ألا إن هرقل قد آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم- واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها ، وطافت بقصره تريد قتله ، فأرسل إليهم : إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم ، فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ، ثم كتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع دحية يقول فيه- : إني مسلم ولكني مغلوب على أمري ، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابه ، قال : كذب عدو الله ، ليس بمسلم بل هو على النصرانية . [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية