الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في قوله -صلى الله عليه وسلم- إن عم الرجل صنو أبيه ، والزجر عن أذاه ، والإيذان بأنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- والنبي -صلى الله عليه وسلم- منه ، والوصية به .

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي -وحسنه- عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم- لعمر -رضي الله تعالى عنه- : أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ، وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- كلمه في صدقته .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البيهقي وزاد : إنا كنا احتجنا فاستلفنا من العباس صدقة عامين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو القاسم البغوي في معجمه عنه -رضي الله تعالى عنه- قال : قلت لعمر -رضي الله تعالى عنه- أما تذكر حين شكوت العباس -رضي الله تعالى عنه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عطاء الخراساني ، وابن عساكر في التاريخ عنه مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العباس عمي وصنو أبي ، من آذاه فقد آذاني" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وابن عساكر عن ابن عباس ، وابن أبي الدنيا في مناقب العباس ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" وابن النجار والخطيب عن المطلب ، وابن أبي شيبة عن مجاهد مرسلا- صحيح الإسناد- عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : إن العباس -رضي الله تعالى عنه- دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من آذى العباس فقد آذاني ، فإنما عم الرجل صنو أبيه" وفي لفظ : [ ص: 100 ] "احفظوني في العباس؛ فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وقال : حسن عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر الشافعي في الغيلانيات ، وابن عساكر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العباس عمي وصنو أبي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- وعبد الرزاق وابن جرير ، عن مجاهد -مرسلا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تؤذوني في العباس؛ فإن عم الرجل صنو أبيه" ، وفي لفظ : "فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تؤذوا العباس فتؤذوني ، من سب العباس فقد سبني ، فإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أيضا عن ابن عباس بدون "فإن عم الرجل" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي -وقال : حسن غريب- والحاكم وابن سعد عن ابن عباس ، وأبو داود الطيالسي ، والإمام أحمد ، وأبو داود وصححه ، والضياء عن البراء ، وابن سعد عن أبي مجلز مرسلا -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العباس مني وأنا منه" وفي لفظ : "إن العباس مني وأنا منه" .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عوانة : هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته ، قال ابن منده : إسناده متصل مشهور ، وهو ثابت على شرط الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : "إنما العباس صنو أبي فمن آذى العباس فقد آذاني" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الخليلي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العباس وصيي ووارثي ، وعلي مني وأنا منه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العباس مني وأنا منه ، لا تؤذوا أمواتنا فتؤذوا به الأحياء" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن قانع ، عن حنظلة الكاتب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أيها الناس ، إنما أنا ابن العباس ، فاعرفوا ذاك ، إنه صار لي والدا ، وصرت له فرطا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احفظوني في العباس؛ فإنه بقية آبائي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "احفظوني في عمي عباس؛ فإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 101 ] وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "استوصوا بالعباس خيرا؛ فإنه عمي وصنو أبي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "استوصوا بالعباس خيرا؛ فإن عم الرجل صنو أبيه" .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في أن الخلافة في ولده ودعائه -صلى الله عليه وسلم- للعباس ولولده ، وتحليلهم بكساء

                                                                                                                                                                                                                              روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس : "إذا كان غداة الاثنين فائتني أنت وولدك ، حتى أدعو بدعوة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الهيثم بن كليب ، وابن عساكر عن عبد الله بن عباس عن أبيه -وسنده رجاله ثقات- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم انصر العباس وولد العباس -ثلاثا- يا عم ، أما علمت أن المهدي من ولدك ، موفقا راضيا مرضيا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الروياني والشاشي والخرائطي والحاكم -وتعقب- وابن عساكر عن سهل بن سعد قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان القيظ ، فنزل منزلا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ، فقام العباس ، فستره بكساء من صوف ، قال سهل : فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جانب الكساء وهو رافع رأسه إلى السماء يقول : "اللهم استر العباس وولد العباس من النار" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي -مرسلا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم إن عمي العباس حاطني بمكة من أهل الشرك ، وأخذني على الأنصار ، وأجرني في الإسلام ، مؤمنا بالله مصدقا بي ، اللهم فاحفظه وحظه ، واحفظ له ذريته من كل مكروه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي- وقال : حسن غريب- وأبو يعلى وابن عدي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- والطبراني في "الكبير" عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم انصر العباس" وفي لفظ : "اللهم اغفر للعباس" وفي لفظ : "ما أسر وما أعلن ، وما أبدى وما أخفى ، وما كان وما يكون منه ومن ذريته إلى يوم القيامة" وفي لفظ : "ولولد العباس ومن أحبهم" وفي لفظ : "لأبناء العباس وأبناء أبناء العباس" وفي لفظ : "وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا ، اللهم اخلفه" وفي لفظ : "احفظه في ولده" .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في تبشرة العباس بأن له من الله -عز وجل- حتى يرضى ، وأنه لا يعذب بالنار ولا أحد من ولده .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 102 ] روى الديلمي عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم هذا عمي ، وصنو أبي ، وخير عمومة العرب ، اللهم أسكنه معي في البيت الأعلى" .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في منزلته في الجنة

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه والحاكم في الكنى وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله -عز وجل- اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين ، والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن له -يعني العباس- في الجنة غرفا كما تكون الغرف ، يطل علي يكلمني وأكلمه" .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني عشر : في ملازمة العباس -رضي الله تعالى عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخذا بلجام بغلته يوم حنين

                                                                                                                                                                                                                              [عن كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فلم نفارقه ، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي ، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار .

                                                                                                                                                                                                                              قال عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أكفها إرادة أن لا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا عباس ناد : يا أصحاب السمرة" قال عباس : وكنت رجلا صيتا ، فقلت بأعلى صوتي : أين أصحاب السمرة ؟ قال : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك! يا لبيك! قال : فاقتتلوا هم والكفار ، والدعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث ، قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته وهو كالمتطاول عليها إلى قتالهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا حين حمي الوطيس" .

                                                                                                                                                                                                                              قال : ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : انهزموا ورب محمد! قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، قال : فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته ثم ركب فإذا حدهم كليل ، وأمرهم مدبر حتى هزمهم الله] .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية