الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الرابع : فيما أثر عنه من حكمه وكلماته وأشعاره - رضي الله تعالى عنه - .

                                                                                                                                                                                                                                كان - رضي الله تعالى عنه - : أنصح الناس وأعظمهم بالله وأشدهم للناس حبا وتعظيما [ ص: 299 ] (لخدمة ) لا إله إلا الله ، وقيل له : ألا نحرسك ؟ فقال : حارس كل إنسان أجله ، وإن الأجل جنة حصينة ، وقال : كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ، فإنه لن يقل عمل مع التقوى ، وكيف يقل عمل متقبل ؟ وقال : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك وحلمك ، وتكون مشغولا بعبادة ربك ، فإن أحسنت حمدت الله تعالى - وإن أسأت استغفرت الله ، فلا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو (يتدارك ) ذلك بتوبة ، ورجل يسارع بالخيرات وقال : احفظوا عني خمسا فلو ركبتم الإبل في طلبهن لا تصيبوهن ، لا يرجون عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، الله أعلم ، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له ، وقال : إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل ، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، وإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، ألا إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ، ولا يؤمنهم من عذاب الله ، ولا يرخص لهم في معاصي الله ، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ولا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا خير في علم لا فهم فيه ، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها ، وقال : كونوا ينابيع العلم ، مصابيح الليل ، خلقي الثياب ، جدد القلوب ، تعرفون في ملكوت السماوات ، وتذكرون في الأرض ، وقال : أيها الناس ، إنكم والله إن حننتم حنين الوالد الثكلان ، وجأرتم جؤار مبتلى الرهبان ، ثم خرجتم من الأموال والأولاد في التماس القرب إلى الله - عز وجل - ، وابتغاء رضوانه ، وارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة ، كان ذلك قليلا فيما يطلبون من جزيل ثوابه ، والخوف من عقابه ، والله لو سألتم إصلاح عيوبكم رغبة ورهبة إليه - سبحانه وتعالى - ثم عمرتم عمر الدنيا مجدين في الأعمال الصالحة ، ولم تبقوا شيئا من جهدكم لما دخلتم الجنة بأعمالكم ، ولكن برحمته - سبحانه وتعالى - ، جعلنا الله وإياكم من التائبين أو العابدين ، أو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                                وقال لكميل بن زياد : القلوب أوعية وخيرها أوعاها ، فاحفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، العلم خير لك من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة ، العلم حاكم ، والمال محكوم [ ص: 300 ] عليه ، ومحبة العالم دين يدان بها العلم ، يكتسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته ، ومنفعة المال تزول بزواله ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، هاه هاه ، وأشار بيده إلى صدره ، إن ها هنا علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لفتى غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدنيا للدين ، فيستظهر لحجج - الله تعالى - على كتابه ، وبنعمه على عباده ، وينقاد لأهل الحق ولا بصيرة له في إخبائه ، يقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، لا ذا ولا ذاك أو منهوما للذات ، سلس القياد للشهوات ، أو مغري لجمع الأموال والادخار لهما في دعاء الدين ، أقرب شبها بالأنعام السائحة ، كذاك يموت هذا العلم بموت حامليه ، اللهم لا تخلو الأرض من قائم لله - عز وجل - بحجة الله لكيلا تبطل حجج الله وبيانه أولئك هم الأقلون عددا ، الأعظم عند الله قدرا ، بهم يدفع الله - عز وجل - عن حججه ، حتى يؤديها إلى نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلابوا ما استوعد منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالنظر إلى الأعلى ، أولئك خلفاء الله في بلاده ، ودعاته إلى دينه ، هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم ، أستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم ، ودخل ضرار بن صخرة الصدائي على معاوية - رضي الله تعالى عنه - فقال : صف لي عليا ، فقال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس إلى الليل وظلمته ، وكان والله غزير الدمعة ، كثير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان والله كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا تكلمه هيبة له ، فإن تبسم يضيء مثل اللؤلؤ المكنون المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يتمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الآن وهو يقول : يا دنيا يا دنيا ، غيري غيري ثم يقول للدنيا : إلي تعرضت ، أم إلي تشوقت ؟ غري غيري قد بنتك ثلاثا فعمرك قصير ، ومجلسك حقير ، وخطؤك كثير ، آه آه ، من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ، فوكفت دموع معاوية على لحيته ما تملكها ، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ، وقال هذا أبو الحسن ، كيف وجدك عليه يا ضرار ؟ قال : وجد من ذبح واحدها في حجرها ، لا يرق دمعها ، ولا يسكن حزنها ، ثم قام فخرج ، ولما امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء ، قال : الله أكبر ، وأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين ، وهو يقول : يا صفراء يا بيضاء غري غيري ، حتى ما بقي منها دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه ، وصلى فيه ركعتين رجاء أن تشهد له يوم [ ص: 301 ] القيامة ، وقيل له : لم ترفع قميصك ؟ قال : لأنه يخشع القلب ويقتدي به المؤمن ، ويبعد من الكبر ، وأتي بفالوذج فوضع بين يديه ، فقال : إنك طيب الريح ، حسن اللون طيب الطعام ، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تتعود وكان بالخورنق يرعد تحت قطيفة ، فقيل له : إن الله قد جعل لك ، ولأهل بيتك في هذا المال حظا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع ، فقال : والله ، ما أرزاكم من مالكم شيئا إنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة .

                                                                                                                                                                                                                                ورئي وهو يبيع سيفا له في السوق ، ويقول : من يشتري هذا السيف ، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عندي ثمن إزار ما بعته قط ، وأنشد يقول :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              وقد تجوح الحاجات يا أم مالك كرائم من رب يهين صنين



                                                                                                                                                                                                                                  ومن كلامه في المناجاة : كفاني عزا أن تكون لي ربا ، وكفاني فخرا أن أكون لك عبدا ، أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب ، وفي العلم : المرء مخبوء تحت لسانه ، تكلموا تعرفوا ، ما ضاع امرؤ عرف قدره ، وفي الإرب : أنعم على من شئت تكن أميره ، واستغن عن من شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ، وقال : من وسع عليه في دنياه ، فلم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن غفلة ، وقال : الدنيا جيفة فمن أراد شيئا منها ، فليصبر على مخالطة الكلاب ، ومما يروى من شعره :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              حقيق بالتواضع من يموت     ويكفي المرء من دنياه قوت
                                                                                                                                                                                                                              فما للمرء يصبح ذا هموم     وحرص ليس يدركه النعوت
                                                                                                                                                                                                                              صنيع مليكنا حسن جميل     وما أرزاقه عنا تفوت



                                                                                                                                                                                                                                  وقال :

                                                                                                                                                                                                                               

                                                                                                                                                                                                                              محمد النبي أخي وصهري     وحمزة سيد الشهداء عمي
                                                                                                                                                                                                                              وجعفرنا الذي يمسي ويضحي     يطير مع الملائكة ابن أمي
                                                                                                                                                                                                                              وبنت محمد سكني وعرسي     توسط لحمها بدمي ولحمي
                                                                                                                                                                                                                              وسبطا أحمد ولدي منها     فأيكم له قسم كقسمي
                                                                                                                                                                                                                              سبقتكم إلى الإسلام طرا     صغيرا ما بلغت أوان حكمي
                                                                                                                                                                                                                              وأوجب لي الولاء معا عليكم     رسول الله يوم (غدير خم )



                                                                                                                                                                                                                                  قال أبو عمر الزاهد سمعت عليا يقول : اجتمعت رواة الشعر من الكوفيين والبصريين فلم يزيدوا على عشرة أبيات صحيحة لأمير المؤمنين ، وأجمعوا على أن ما كان زائدا على العشرة فهو منحول ومن الصحيح قوله :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 302 ]

                                                                                                                                                                                                                              أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره



                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              أوفيهم بالكيل كيل السندره



                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عساكر عن نبيط الأشجعي قال : قال علي - رضي الله تعالى عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              إذا اشتملت على اليأس القلوب     وضاق بما به الصدر الرحيب
                                                                                                                                                                                                                              وأوطنت المكاره واطمأنت     وأرست في أماكنها الخطوب
                                                                                                                                                                                                                              ولم ير لانكشاف العسر وجه     ولا أغنى بحيلته الأريب
                                                                                                                                                                                                                              أتاك على قنوط منك غوث     يجيء به القريب المستجيب
                                                                                                                                                                                                                              وكل الحادثات إذا تناهت     فموصول بها الفرج القريب



                                                                                                                                                                                                                                  وروي أيضا عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال : قال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لرجل كره صحبة رجل :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه     فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
                                                                                                                                                                                                                              يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه     وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه



                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              وللقلب على القلب دليل حين يلقاه



                                                                                                                                                                                                                                وروي أيضا عن المبرد - رحمه الله تعالى - قال : كان مكتوبا على سيف علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              للناس حرص على الدنيا بتدبير     وصفوها لك ممزوج بتكدير
                                                                                                                                                                                                                              لم يرزقوها بفعل إنما قسمت     لكنهم رزقوها بالمقادير
                                                                                                                                                                                                                              كم من أديب لبيب لا تساعده      (وسابق ) نال دنياه بتقصير
                                                                                                                                                                                                                              لو كان عن قوة أو عن مغالبة     طار البزاة بأرزاق العصافير



                                                                                                                                                                                                                                  وروي عن حمزة بن حبيب الزيات - رحمه الله تعالى - قال : كان علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وكرم الله وجهه يقول :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              لا تفش سرك إلا إليك     فإن لكل نصيح نصيحا
                                                                                                                                                                                                                              فإني رأيت غواة الرجال     لا يدعون أديما صحيحا



                                                                                                                                                                                                                                  وروى ابن عبد البر في العلم عن الحارث الأعور - رحمه الله تعالى - قال : سئل علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - عن مسألة فدخل مبادرا ثم خرج في جداد رداء وهو متبسم [ ص: 303 ] فقيل له : يا أمير المؤمنين ، إنك كنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسكة المحماة ؟ قال : إني كنت حاقنا ولا رأي لحاقن ثم أنشد يقول :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              إذا المشكلات تصدين لي     كشفت حقائقها بالنظر
                                                                                                                                                                                                                              وإن برقت في مجيء الصواب     عجب لا يجتليها البصر
                                                                                                                                                                                                                              مقنعة بغيوب الأمور     وضعت عليها صحيح الفكر
                                                                                                                                                                                                                              لسان كشقشقة الأرحبي     أو كالحمام اليماني الذكر
                                                                                                                                                                                                                              وقلب إذا استنطقته الهموم     أربى عليها بواهي الذرر
                                                                                                                                                                                                                              ولست بإمعة في الرجا     ل أسائل هذا وذا ما الخبر
                                                                                                                                                                                                                              ولكنني مذرب الأصغريـ     ـن أبين مع ما مضى ما غبر



                                                                                                                                                                                                                                  وقال ابن النجار : أخبرني يوسف بن المبارك بن كامل الخطاب قال : أنشدنا أبو الفتح مفلح بن أحمد الرومي ، قال : أنشدنا أبو الحسين بن أبي القاسم التنوخي عن أبيه عن جده عن أجداده إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              أصم عن الكلم المحفظات     وأحلم والحلم بي أشبه
                                                                                                                                                                                                                              وإني لأترك حلو الكلام     لئلا أجاب بما أكره
                                                                                                                                                                                                                              إذا ما اجتروت سفاه السفيه     علي فإني أنا الأسفه
                                                                                                                                                                                                                              فكم من فتى يعجب الناظرين     له ألسن وله أوجه
                                                                                                                                                                                                                              ينام إذا حضر المكرمات     وعند الدناءة يستنبه



                                                                                                                                                                                                                                  وروى ابن أبي الدنيا في الصمت عن حمزة الزيات - رحمه الله تعالى - قال : قال علي بن أبي طالب : - رضي الله تعالى عنه - وكرم الله وجهه - :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              لا تفش سرك إلا إليك     فإن لكل نصيح نصيحا
                                                                                                                                                                                                                              فإني رأيت غواة الرجال     لا يدعون أديما صحيحا



                                                                                                                                                                                                                                  وبلغه أن ابن السوداء يبغض أبا بكر فدعا به ودعا بالسيف وهم بقتله فكلم فيه ، فقال : لا يسألني . وسيره إلى المدائن وحدثه رجل بحديث فقال له : ما أراك إلا كذبتني ، قال : لم أفعل ؟ قال : أدعو عليك إن كنت كذبت ، قال : ادع ، فدعا فما (برح ) حتى أجيب ، ومر على مزبلة ، فلما رأى ما فيها ، قال : هذا ما بخل به الباخلون ، أو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 304 ] وكان (بفص ) خاتمه : محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتختم في يساره ، وكان ممن جمع القرآن في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                وركب مرة حمارا ، ودلى رجليه إلى موضع واحد ، ثم قال : أنا الذي أهنت الدنيا ، وكان يقول : تعلموا العلم تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، فإنما أهله الذين يعملون به ، وسيأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره ، وصعد يوما المنبر فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الموت ، فقال : عباد الله ، الموت ليس فيه فوت ، ثم قال : فالنجاء النجاء ، والرجاء الرجاء ، وراءكم طالب حثيث ، القبر فاحذروا ضمته ووحشته ، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار ، أو روضة من رياض الجنة ، ألا أنه يتكلم في ذلك اليوم ثلاث مرات ، فيقول : أنا بيت الظلمة ، أنا بيت الدود ، أنا بيت الوحشة ، ألا وإن وراء ذلك يوما يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ، ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه ، نار حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وخازنها مالك ، ثم بكى وبكى المسلمون حوله ، ثم قال : ألا وإن وراء ذلك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ، أحلنا الله وإياكم دار النعيم ، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم ، وقال لرجل ذم الدنيا : الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غناء لمن يتزود منها ، ومهبط وحي الله - عز وجل - ، ومصلى ملائكته ، ومسجد أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - ومنجز أوليائه ، فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه حتى خدعتك الدنيا ، لا تغتر بها ولا يغرنكم بالله الغرور ، أو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                                وقال : إن الزهد في كلمتين من القرآن لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم [الحديد 23 ] وقال : عجبت لمن يدعو ويستبطئ الإجابة ، وقد سد طرقها بالمعاصي والذنوب .

                                                                                                                                                                                                                               

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية