الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيه أنواع :
الأول : في مولدها -عليها السلام- واسمها وكيفيتها
نقل أبو عمرو عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي ، قال : ولدت فاطمة -رضي الله تعالى عنها- سنة إحدى وأربعين من مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا مغاير لما ذكره ابن إسحاق وغيره أن أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم -عليه السلام- وقال ابن الجوزي وغيره : ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت .
ونقل أبو عمرو عن الواقدي "أنها ولدت والكعبة تبنى ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن خمس وثلاثين سنة ، وبه جزم المدائني ، وقيل : كان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر ، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين ، وانقطع نسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوائل المحرم سنة اثنين بعد عائشة بأربعة أشهر ، وكانت تكنى أم أبيها - بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتية- ومن قال غير ذلك فقد صحف . انتهى .
الثاني : ما جاء في مهرها ، وكيف تزوجها ، ووليمة عرسها ، وما جهزت به -رضي الله تعالى عنها-
تزوجها علي -رضي الله تعالى عنه- وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة ونصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة ، وقيل : تزوجها في رجب ، وقيل : في صفر ، وسنها -رضي الله تعالى عنها- يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت رضي الله تعالى عنهما .
قال جعفر بن محمد : تزوج علي فاطمة -رضي الله تعالى عنها- في شهر صفر في السنة الثانية ، وبنى بها في شهر ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة .
قال أبو عمر : وبعد وقعة بدر .
وقال غيره : بعد بنائه بعائشة -رضي الله تعالى عنها- بأربعة أشهر ونصف شهر ، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر .
وروى الحاكم والبيهقي ، وابن إسحاق عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قالت لي مولاة لي : هل علمت ( . . . . ) .
وروى مسدد عن رجل سمع عليا -رضي الله تعالى عنه- بالكوفة يقول : أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن لا شيء لي ، ثم ذكرت عائدته وصلته [ ص: 38 ] فخطبتها ، فقال : أرني درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا وكذا ، قال : هي عندي ، قال : فأعطها إياه ، ثم قال : لا تحدث شيئا حتى آتيكما ، فأتاني وعلينا قطيفة أو كساء ، فلما رآنا تحسسنا ، فدعا ، فأتياه بإناء فدعا فيه ، ثم دسه علينا ، فقلت : يا رسول الله أينا أحب إليك ؟ قال : هي أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها .
وروى الطبراني عن حجر بن عنبس -رحمه الله تعالى- قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "هي لك يا علي" .
ورواه البزار ورجالهما ثقات ، وحجر لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاد "ولست بدجال" وقوله -صلى الله عليه وسلم- "ولست بدجال" : يدل على أنه قد كان وعده فقال : لا أخلف الوعد .
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت قاعدا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي" .
وروى البيهقي والخطيب وابن عساكر عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت قاعدا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغشيه الوحي ، فلما سري عنه قال : "يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش" قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : "إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي" .
وروى إسحاق بسند ضعيف عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "اجعل عامة الصداق في الطيب" .
وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : خطبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة فباع علي درعا له ، وبعض متاع من متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما ، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل ثلثيه في الطيب ، وثلثا في الثياب ، ومج في جرة من ماء ، وأمرهم أن يغتسلوا به ، قال : وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين ، وأما الحسن فإنه -صلى الله عليه وسلم- صنع فيه شيئا لا يدرى (ما هو ، فكان أعلم الرجلين) .
وروى ابن أبي خيثمة وابن سعد عن علباء بن أحمر اليشكري -رحمه الله تعالى- أن عليا -رضي الله تعالى عنه- تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين ، فأمره النبي أن يجعل ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب .
وروى ابن سعد عنه أن عليا باع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "اجعلوا ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب" .
[ ص: 39 ] روى الطبراني وابن أبي خيثمة وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي ، والبزار من طريق محمد بن ثابت بن أسلم ، وهما ضعيفان عن أنس بن مالك ، وابن أبي خيثمة والطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال ابن ثابت : إن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أتى أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- قال : ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يزوجني ، قال : إذا لم يزوجك فمن يزوج؛ إنك من أكرم الناس عليه ، وأقدمهم في الإسلام ، قال : فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة ، فقال : يا عائشة ، إذا رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة ، فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي ، قال : فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأت منه طيب نفس وإقبالا ، فقالت : يا رسول الله إن أبا بكر ذكر فاطمة ، وأمرني أن أذكرها ، فقال : حتى ينزل القضاء ، فرجع إليها أبو بكر ، فقالت : يا أبتاه ، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت .
وقال يحيى : إن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي ، وقدمي في الإسلام ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه ساعة أو قال : فأعرض عنه ، فرجع أبو بكر إلى عمر ، فقال : هلكت ، وأهلكت ، قال : وما ذاك ؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني ، وقال ابن ثابت : فانطلق عمر إلى حفصة ، وقال لها : إذا رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة؛ لعل الله أن ييسرها إلي ، فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت حفصة : ووجدت منه إقبالا وطيب نفس ، فذكرت له فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقال : حتى ينزل القضاء ، قال ابن ثابت : فأتى عمر -رضي الله تعالى عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الإسلام ، وإني وإني ، قال : "وماذا ؟ " قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه ، فرجع عمر إلى أبي بكر ، فقال : إنه ينتظر أمر الله فيها ، فانطلق عمر إلى علي .
قال يحيى : إن أبا بكر وعمر قالا : انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا ، قال علي : فأتياني وأنا في سبيل ، فقالا : بنت عمك تخطب فنبهاني لأمر ، فقمت أجر ردائي ، طرف على عاتقي ، والطرف الآخر في الأرض ، حتى أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وقال ابن ثابت : ولم يكن لعلي مثل عائشة ولا مثل حفصة ، فلقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : إني أريد أن أتزوج فاطمة ، قال فافعل ، قال : ما عندي إلا درعي الحطمية . . . الحديث .
وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- عند الطبراني من طريق يحيى بن العلاء ، قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يذكرها أحد إلا صد عنه ، حتى يئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه- عليا فقال : إني والله ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبها إلا عليك ، فقال له علي -رضي الله تعالى عنه- : هل ترى ذلك ، ما أنا [ ص: 40 ] بأحد الرجلين ، ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء .
وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه -يعني يتألفه بها؛ إني لأول من أسلم ، فقال سعد : إني أعزم عليك لتفرجنها عني ، فإن لي في ذلك فرجا ، قال : أقول ماذا ؟ قال : جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرحبا ، كلمة ضعيفة ، ثم رجع إلى سعد ، فقال : قد فعلت الذي أمرتني به ، فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة ، فقال سعد : أنكحك والذي بعثه بالحق ، إنه لا خلف ولا كذب عنده ، أعزم عليك لتأتينه فلتقولن : يا نبي الله متى تبنيني ؟ فقال علي : هذه أشد علي من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله! حاجتي ؟ قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي فقال : يا رسول الله ، متى تبنيني ؟ قال : "الليلة إن شاء الله" . . الحديث .
وفي حديث بريرة عند النسائي في عمل اليوم والليلة والروياني في مسنده ، وعند البزار والطبراني برجال ثقات ، غالبهم رجال الصحيح ، والدولابي : أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي -رضي الله تعالى عنه- : لو خطب فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأبى .
وفي لفظ : لو كانت عندك فاطمة ، فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ، ذكرت بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "مرحبا وأهلا" لم يزده عليهما فخرج على أولئك النفر من الأنصار وهم ينتظرونه فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : ما أدري ، غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، قالوا : يكفيك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحداهما ، أعطاك الأهل والمرحب .
وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال سعد : أنكحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي بعثه بالحق؛ إنه لا خلف ولا كذب عنده ، أعزم عليك لتأتينه غدا ، فتقول يا نبي الله متى تبنيني بأهلي ؟ فقال علي : هذه أشد علي من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله! حاجتي ، قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي ، فقال : يا رسول الله ، متى تبنيني بأهلي ؟ قال : "الليلة إن شاء الله تعالى" قال : فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "ما عندك يا علي" فقلت : يا رسول الله ، فرسي وبدني ، يعني درعي الحطمية ، قال : "أما فرسك لا بد لك منه ، وأما بدنك فبعها" فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما ، فأتيت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعتها في حجره ، فقبض منها قبضة ، فقال : "يا بلال" ابغني بها طيبا ، وقال ابن ثابت : فقبض ثلاث قبضات ، فرفعها إلى أم أيمن فقال : اجعلي منها قبضة في الطيب .
أحسبه قال الباقي فيما يصلح المرأة ، وزوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من الجهاز ، وأدخلتهم بيتا .
[ ص: 41 ] وفي حديث بريدة : فلما كان بعدما زوجه قال : "يا علي ، إنه لا بد للعروس من وليمة" .
فقال سعد : عندي كبش .
وجمع له رهط من الأنصار من ذرة .
ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط وهو مستور ، بلفظ ، وقال : على فلان كذا وكذا من ذرة .
وفي حديث يحيى : وأمرهم أن يجهزوها ، فجعل لها سريرا مشرطا بالشريط ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، وملأ البيت كثيبا ، يعني رملا ، وقال : إذا أتتك ، فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم أيمن ، فقعدت في جانب البيت ، وأنا في جانب .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ، وثور وسقاء وجرتين .
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- قالت : لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى علي -رضي الله تعالى عنهما- وما كان حشو فرشهما ووسادتهما إلا ليف .
وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف .
وروى البلاذري عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه ، وتعجن فاطمة على ناحية .
وروى ابن حبان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبض من المهر قبضة ، وقال لبلال : اشتر لنا بها طيبا ، وأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجهزوها فجعل سريرا مشرطا بشرائط ، ووسادة من أدم حشوها ليف .
وروى أبو بكر بن فارس ، عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : كان فراش علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- ليلة عرسهما إهاب كبش .
وروى أيضا عن ضمرة بن حبيب -رضي الله تعالى عنهما- قال قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته السيدة فاطمة بخدمة البيت ، وقضى على علي بما كان خارج البيت .
وروى مسدد مرسلا عن ضمرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته فاطمة -رضي الله تعالى عنها- بخدمة البيت ، وقضى على علي -رضي الله تعالى عنه- بما كان خارج البيت .
وروى أحمد بن منيع بسند ضعيف عن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها [ ص: 42 ] قالت : تزوجت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على درع منشفة بمغفرة ، ونصف قطيفة بيضاء ، وقدح ، وإن كانت تستر بكم درعها ، وما لها خمار ، وقالت : أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آصعا من تمر ومن شعير ، فقال : "إذا دخلن عليك نساء الأنصار فأطعميهن منه" .
وروى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : حضرنا عرس علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأينا عرسا كان أحسن منه ، حسا لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زبيبا وتمرا ، فأكلنا منه ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش .
ورواه البزار ، وزاد : وحشونا الفراش ، يعني : الليف .
وروى عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة إلى علي -رضي الله تعالى عنهما- بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف وإذخر ، وقربتان ، وكانا يفترشان الخميل ، ويلتحفان بنصفه . انتهى .
وروى من طريق عوف بن محمد ابن الحنفية عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهديت جدتك فاطمة إلى جدك علي -رضي الله تعالى عنهما- فما كان حشو فراشهما ووسادتهما إلا ليفا ، ولقد أولم علي على فاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته ، ورهن درعه عند يهودي بشطر شعير .
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- أنه أولم على فاطمة وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر .
وفي حديث ابن عباس فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالا فقال : "يا بلال ، إني زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح ، فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، فاجعل لي قصعة ، وادع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت فائتني بها" . فانطلق ففعل ما أمره به ، ثم أتاه بالقصعة ، فوضعها بين يديه فطعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه في رأسها ، ثم قال : أدخل علي الناس زفة زفة ، ولا تغادرن إلى غيرها ، يعني إذا فرغت زفة فلا يعودن ثانية ، فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى ، حتى فرغ الناس ، ثم عمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك .
وقال : "يا بلال ، احملها إلى أمهاتك ، وقل لهن يأكلن منها ، ويطعمن من غشيهن" انتهى . ثم قال- صلى الله عليه وسلم- : "يا علي ، لا تحدثن إلى أهلك شيئا" .
وفي حديث أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- عند الطبراني برجال الصحيح قالت : لما أهديت السيدة فاطمة إلى علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهما- لم نجد في [ ص: 43 ] بيته إلا رملا مبسوطا ، ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزا ، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا تحدثن حدثا" أو قال : "لا تقربن أهلك حتى آتيك" فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "أثم أخي" فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمى ، ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول ، ثم مسح صدر علي ووجهه ، ثم دعا فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء ، فنضح من ذلك الماء ، ثم قال لها ما شاء الله أن يقول ، ثم قال لها : "أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي" .
وفي حديث بريدة -رضي الله تعالى عنه- فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فتوضأ منه ، ثم أفرغه على علي فقال : "اللهم ، بارك فيهما ، وبارك لهما في أبنائهما" .
وفي لفظ : "بارك لهما وبارك في شبلهما" .
قال الحافظ ابن ناصر الدين راوي الحديث : صوابه : بنسلهما .
وأورده الضياء المقدسي في المختارة .
وفي حديث أسماء ، قالت أسماء : ثم رأى سوادا من وراء الستر ، أو من وراء الباب ، فقال : من هذا ؟ قالت : أسماء ، قالت : نعم يا رسول الله ، جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن الفتاة يبنى بها الليلة ولا بد لها من امرأة تكون قريبا منها ، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها ، قالت : فدعا لي بدعاء ، إنه لأوثق عملي عندي ، ثم قال لعلي : "دونك أهلك" ، ثم خرج ، فولى ، فما زال يدعو لهما ، حتى توارى في حجره .
وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء فقال : إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وأنا دافعها إليه ، فدونكن ، فقمن النساء فغلفنها من طيبهن ، وألبسنها من ثيابهن ، وحلينها من حليهن ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فلما رأى النساء ذهبن ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر ، وتخلفت أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كما أنت ، على رسلك ، من أنت ؟ قالت : أنا التي أحرس ابنتك ، فإن الفتاة الليلة يبنى بها ، ولا بد من امرأة تكون قريبا منها ، إن عرضت لها حاجة ، أو أرادت شيئا أمضيت بذلك إليها ، ثم صرخ بفاطمة .
وفي حديث يحيى فقال لفاطمة : "ائتني بماء" فقامت إلى قعب في البيت ، فجعلت فيه ماء فأتته به ، فمج فيه ثم ، قال لها : قومي فنضح على رأسها وبين ثدييها ، وقال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ، ثم قال : "ائتني بماء" فعلمت الذي يريده ، فملأت القعب ماء ، فأتيته به ، فأخذ منه بفيه ، ثم مجه فيه ، ثم صبه على رأسي وبين يدي ، ثم قال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ثم قال لي : "أدبري" فأدبرت فصب بين كتفي ثم [ ص: 44 ] قال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ثم قال لي : "ادخل على أهلك باسم الله والبركة" .
الثالث : في أنها كانت أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وعلي -رضي الله تعالى عنهما- وهما جالسان يضحكان ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما لكما كنتما تضحكان ، فلما رأيتماني سكتما" فبادرت فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقالت : بأبي أنت يا رسول الله ، قال هذا : أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فقلت : بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "يا بنية لك رقة الولد ، وعلي أعز علي منك" .
وروى أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير ، والحاكم والترمذي وقال : حسن ، وأبو القاسم البغوي في معجمه عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أحب أهل بيتي إلي فاطمة" .
وروى الطبراني عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال : يا رسول الله ، أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال : "فاطمة أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها" .


