الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال ابن دريد : اشتقاق فاطمة من الفطم ، وهو القطع ، ومنه فطم الصبي إذا قطع عنه اللبن .

                                                                                                                                                                                                                              يقول الرجل للرجل : والله لأفطمنك عن كذا وكذا ، أي : لأمنعنك عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الخطيب وقال : فيه مجاهيل ، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وتقدم أن الحكم عليه بالوضع ليس بصواب عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى إنما سماها فاطمة؛ لأن الله تعالى فطمها وجنبها عن النار" .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : تقدم أن عليا -رضي الله تعالى عنه- أصدقها درعا ، وأنه باع الدرع ، وبعض متاعه وأصدقها بأربعمائة درهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال المحب الطبري : يشبه أن يكون العقد وقع على الدرع كما دل عليه حديث علي وبعث بها علي ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها ، فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين [ ص: 53 ] الحديثين تضاد ، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل ، فقال بعضهم : كان مهرها -رضي الله تعالى عنها- الدرع ، ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : كان أربعمائة وثمانين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : تضمن حديث ابن عباس ، وحديث علي ، وحديث أنس -رضي الله تعالى عنهم- أن الذي حثه على تزويج فاطمة -رضي الله تعالى عنها- متضاد ، ولا تضاد بينهما ، بل يحتمل أن يكون مولاته ، ثم أبو بكر وعمر ، أو بالعكس ، ثم لما خرج لذلك لقيه الأنصار فحثوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالآخر .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة : ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش والذرة جمعا بين الحديثين ، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لها مع ذلك الآصع من التمر والشعير ، وأن يكون ما جاء به الأنصار وليمة الرجال وما دفعه لها صلى الله عليه وسلم للنساء ، كما دل عليه حديثها .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : كيفية صب الماء ، وتخصيص علي -رضي الله تعالى عنه- به مخالف لما رواه ابن حبان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال المحب الطبري -رحمه الله تعالى- : ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا -رضي الله تعالى عنه- بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث ، فإنه لم يذكر فيه فاطمة -رضي الله تعالى عنها- ونضح صلى الله عليه وسلم عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبان .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : تضمن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بشيئين ، بموته ، وأنها أول أهله لحوقا به . فبكت ، فأخبرها ثانيا بشيء واحد ، وهو : أنها سيدة نساء المؤمنين ، وسيدة نساء أهل الجنة فضحكت .

                                                                                                                                                                                                                              وتضمن حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- عند الدولابي أنه أسر إلى فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أولا بموته فقط فبكت ، وفي الثانية بأنها سيدة نساء المؤمنين ، فضحكت .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث فاطمة عند الدولابي أيضا ، أنه صلى الله عليه وسلم أسر إليها بموته أولا فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به ، وأنها سيدة نساء أهل الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              وتضمن حديث عائشة عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أنه أسر إليها أولا بموته فبكت ، وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت .

                                                                                                                                                                                                                              فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الأحاديث ، وأن بكاءها -رضي الله تعالى عنها- في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين ، بل بموته صلى الله عليه وسلم فقط ، يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في هذا [ ص: 54 ] النوع بكت للأول وضحكت للثاني ، ولو كان البكاء لمجموعهما لما حصل لأحدهما ، أو لكل واحد منهما ، كما ضحكت للثاني ، ويدل أيضا على أن ضحكها في حديث الدولابي ، عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- لم يكن لمجموع الخبرين بل لكل واحد؛ إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما ، وقد استقل به في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم كما سبق ، فدل على أنه لكل منهما .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية