وفيه أنواع :
الأول : في نسبه وصفته- رضي الله تعالى عنه-
هو أبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب وفي لفظ : أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك الملقب بأمين هذه الأمة يلتقي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في مالك .
قال الحافظ ابن عساكر : وكان طويلا نحيفا أجنأ معروق الوجه خفيف اللحية أهتم .
الثاني : في بعض فضائله- رضي الله تعالى عنه-
فهو أحد العشرة ، وأحد الرجلين اللذين عينهما ، أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه- وأحد الخمسة الذين أسلموا في يوم واحد على يد الصديق ، والأربعة عثمان بن مظعون وعيينة ابن الحارث ، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد ، وآخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن معاذ ، وقيل : محمد بن سلمة ، وقد شهد بدرا والمشاهد كلها ، وثبت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد ، ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنتي النبي- صلى الله عليه وسلم- من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من أحسن الناس هتما .
قال الحافظ ابن عساكر : وهو أول من سمي أمير الأمراء ، وأنزل الله تعالى فيه لما قتل أباه يوم بدر ، حيث تصدى له وحاد عنه مرارا لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله [الآية] ومما قاله :
ألا رب مبيض لثيابه ومديس لدينه ألا رب مكرم لنفسه
وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات
بالحسنات الحديثات
وروى الطبراني برجال ثقات إلا مالك ، فيحرر رجاله عن مالك الدار أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه- أخذ أربعمائة دينار ، فجعلها في صرة فقال للغلام : اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم ابق في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع ، فذهب بها الغلام إليه ، فقال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه في بعض حاجاتك ، فقال : وصله الله ورحمه ثم [ ص: 323 ]
قال : تعالي أنت يا جارية ، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك .
وروى البخاري عن أنس وابن عساكر عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه- وابن أبي شيبة عن أبي قلابة ، والإمام أحمد عن عمر - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إن لكل أمة أمينا ، وإن أمين هذه الأمة» وفي لفظ : «وإن أمينك أيتها الأمة» - وفي لفظ : «لكل نبي أمين وأميني» أبو عبيدة بن الجراح .
وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق وابن عساكر عن محمد بن المنكدر (مرسلا ) وعن داود بن شابور أبي سليمان وابن عساكر . وتمام عن سعيد بن عبد العزيز مرسلا ، وابن أبي شيبة والحاكم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن زياد بن الأعلم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن مبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «ما من أصحابي» وفي لفظ : «أحد» إلا كنت قائلا فيه ، وفي لفظ ، «وفي خلقه» ، وفي لفظ : «في بعض خلقه» ، وفي لفظ : «أن أقول في خلقه» ، وفي لفظ : «إلا وقد وجدت فيه» ، ولو شئت أن أقول فيه ، وفي لفظ : «ألا ولو شئت لأخذت عليه» إلا أبا عبيدة ، وفي لفظ : «إلا ما كان من أبي عبيدة بن الجراح » ، وفي لفظ : «غير أبي عبيدة بن الجراح » .
وروى الحاكم عن أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا أبا عبيدة ، لا تأمن على أحد بعدي» .
وروى الشيخان عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أهل نجران إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا : يا رسول الله ابعث إلينا رجلا أمينا ، فقال : لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين ، قال : فاستشرف لها الناس ، فبعث أبا عبيدة بن الجراح .
الثالث : في وفاته- رضي الله تعالى عنه- .
توفي بالطاعون عام عمواس هو ومعاذ بن جبل ، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم من أشراف الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- ووقع ذلك الطاعون مرتين وطال مكثه وفني فيه خلق كثير من الناس ، وطمع العدو ، وتخوف المسلمون بذلك ، وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى عمتا . قال الشيخ محي الدين النووي : وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به ، وقد زرته فرأيت عنده عجبا ، وصلى عليه معاذ بن جبل ، ونزل في قبره هو ، وعمرو بن العاص ، والضحاك ابن مزاحم . [ ص: 324 ]
وعمواس بلدة صغيرة بين الرملة وبيت المقدس ، ونسب [الطاعون] إليها ، لأنه أول ما نجم من هذا الدار ثم انتشر إلى الشام .
ومن مناقبه ما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه- أنه قال لأصحابه ذات يوم : تمنوا ، فقال رجل : أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله ، ثم قال : تمنوا ، فقال رجل : أتمنى لو كانت مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به ، ثم قال : تمنوا ، فقالوا : ما ندري يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح .
[عن عروة بن الزبير قال] : لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض ، وهو راكب فقال : أين أخي وقرة عيني ، قالوا : من تعني ؟ قال : أبا عبيدة بن الجراح ، قالوا : الآن يأتيك ، فلما أتاه ، نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم يرى فيه إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل . [ ص: 325 ]


