الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من الشيطان

                                                                                                                                                                                                                              أجمعت الأمة على عصمته- عليه الصلاة والسلام- من الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ما منكم من أحد إلا وكل الله به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا :

                                                                                                                                                                                                                              وإياك يا رسول الله قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : «فلا يأمرني إلا بخير» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال : إن الشيطان عرض لي .

                                                                                                                                                                                                                              زاد عبد الرزاق «في صورة هر فشد علي ، يقطع الصلاة علي ، فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : «بسارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه فذكرت قول أخي سليمان : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن عدو الله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهي والنبي- صلى الله عليه وسلم- في الصلاة ، وذكر تعوذه بالله منه ولعنه له ثم أردت أن آخذه» وذكر نحوه وقال : «لأصبح موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة »

                                                                                                                                                                                                                              انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت حين لد من مرضه- صلى الله عليه وسلم- وقيل له : خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال : إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه علي . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : لا يرد على عصمته قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله [الأعراف 200] قال القاضي : قيل : إنها راجعة لقوله : خذ العفو [الأعراف 199] أي : ما سهل من أخلاق الناس وأفعالهم ، وما يسهل فيكم فلاطفه ولا تطلب الجهد ، وما يشق عليهم حذرا من أن ينفروا عنك .

                                                                                                                                                                                                                              وأمر بالعرف أي المعروف والجميل من الأفعال .

                                                                                                                                                                                                                              وأعرض عن الجاهلين ولا تجادل السفهاء بمثل سفههم ، ولا تمارهم ، واحلم عنهم ، فهذه الآية أجمع لمكارم الأخلاق ، وقد سئل جبريل - عليه الصلاة والسلام- عنها فقال :

                                                                                                                                                                                                                              «لا أدري حتى أسأل ربي ، ثم رجع فقال : يا محمد إن الله أمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك
                                                                                                                                                                                                                              ، ثم قال : وإما ينزغنك [الأعراف 200] أي : يحملك على خلاف ما أمرت به .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : النزغ الفساد وقيل : أدنى الوسوسة ، فأمره الله تعالى ، متى تحرك عليه غضب على عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به أن يستعيذ بالله منه ، فيكفيه أمره ويكون سبب تمام [عصمته] ، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له ، ولم يجعل له قدرة عليه ، فيرجع خائبا خاسرا زائدا في نكاله انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : لا يرد أيضا على عصمته

                                                                                                                                                                                                                              من قوله- عليه الصلاة والسلام- حين نام عن الصلاة في الوادي «إن هذا واد به شيطان» ، كما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم

                                                                                                                                                                                                                              أن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام» .

                                                                                                                                                                                                                              [وتسلط الشيطان في ذلك الوادي الذي عرس به] إنما كان على بلال الموكل بصلاة الفجر فلا اعتراض من هذا الباب [لبيانه وارتفاع إشكاله] ولم يقدر عدو الله على أذاه- صلى الله عليه وسلم- بسبب التسلط إلى غيره- صلى الله عليه وسلم- وقد كفاه الله تعالى أمره وعصمه .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في بيان غريب ما سبق .

                                                                                                                                                                                                                              قوله : فأسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روي فأسلم- بفتح الميم- أي آمن .

                                                                                                                                                                                                                              وروي : فأسلم [بضم الميم ، أي فأسلم أنا منه] . [ ص: 461 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية