تنبيهات
الأول :
قوله- صلى الله عليه وسلم- «فأبردوها بالماء» زاد في رواية «البارد»
قيل : المراد بغسله بالماء إن قيل : الإبراد والإطفاء يحقن الحرارة إلى الباطن فتزيد الحمى وربما يهلك ؟ أجيب بأن المراد من ذلك الحمى الصفراوية ، فإن أصحاب الصناعة الطبية يسلمون أن تبريد صاحبها أن يستقي بالماء البارد ويغسل أطرافه به ، وقيل : المراد الرش بين البدن والثوب ، وقيل : المراد التصدق بالماء عن المريض ليشفه الله تعالى ، لما رواه وغيره وأولى ما يحمل عليه كيفية الإمام أحمد ما فعلته تبريد الحمى رضي الله تعالى عنها- فإنها كانت ترش على البدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه ، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها ، والصحابي ولا سيما مثل أسماء بنت الصديق- أسماء التي كانت ممن يلازم بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها .
الثاني : اختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل : حقيقة ، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم ، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك ، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة ، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة ، وقيل : بل الخبر ورد مورده التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم ، تنبيها للنفوس على شدة حر النار ، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها .
الثالث : قال ابن القيم : قوله «بالماء» فيه قولان : أحدهما : أنه كل ماء وهو الصحيح .
الثاني : أنه ماء زمزم . [ ص: 164 ]
واختلف من قال : إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعماله .
قال : لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواء له في ساعة ، فيصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له ، فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء من حاله ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال ، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء والتأثير المألوف وقوة الطباع ، ويحتمل أن يكون هذا في وقت مخصوص ، فيكون من الخواص التي اطلع عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- بالوحي ، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب . الإمام المازري
الخامس : جعل ابن القيم خطابه- صلى الله عليه وسلم- خاصا بأهل الحجاز وما والاهم إذا كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس ، قال : وهذا ينفع فيها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة تستعمل في القلب ، وتنبت منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، وهي قسمان : عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس ونحو ذلك ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وتكون من مادة ومنها ما يسخن جميع البدن ، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف : صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية .
وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب انتهى . [ ص: 165 ]