( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ) : ولما ذكر أحوال المنافقين الذين بالمدينة شرح أحوال المنافقين من الأعراب . قرأ الجمهور : ( المعذرون ) بفتح العين وتشديد الذال ، فاحتمل وزنين : أحدهما : أن يكون " فعل " بتضعيف العين ، ومعناه : تكلف العذر ولا عذر له ، ويقال : عذر في الأمر قصر فيه وتوانى ، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له . والثاني : أن يكون وزنه " افتعل " ، وأصله اعتذر كاختصم ، فأدغمت التاء في الذال . ونقلت حركتها إلى العين ، فذهبت ألف الوصل . ويؤيده قراءة : ( المعتذرون ) بالتاء من اعتذر . وممن ذهب إلى أن وزنه افتعل : سعيد بن جبير الأخفش ، ، والفراء وأبو عبيد ، وأبو حاتم ، ، والزجاج . وقرأ وابن الأنباري ، ابن عباس ، [ ص: 84 ] وزيد بن علي والضحاك ، ، والأعرج وأبو صالح ، وعيسى بن هلال ، ويعقوب ، ، في رواية : ( المعذرون ) من أعذر . وقرأ والكسائي مسلمة : ( المعذرون ) بتشديد العين والذال ، من تعذر بمعنى اعتذر . قال أبو حاتم : أراد المتعذرين ، والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج ، وهي غلط منه أو عليه . واختلف في هؤلاء المعذرين ، أهم مؤمنون أم كافرون ؟ فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة : هم مؤمنون ، وأعذارهم صادقة . وقال قتادة وفرقة : هم كافرون وأعذارهم كذب . وكان يقول : رحم الله المعذرين ولعن المعذرين . قيل : هم ابن عباس أسد وغطفان ، قالوا : إن لنا عيالا وإن بنا جهدا ، فأذن لهم في التخلف . وقيل : هم رهط عامر بن الطفيل ، قالوا : إن غزونا معك غارت أعراب طي على أهالينا ومواشينا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " سيغني الله عنكم وعن مجاهد : نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله تعالى . قال : نفر من ابن إسحاق غفار ، منهم خفاف بن إيماء ، وهذا يقتضي أنهم مؤمنون ، والظاهر أن هؤلاء الجائين كانوا مؤمنين ، كما قال ؛ لأن التقسيم يقتضي ذلك . ألا ترى إلى قوله : ( ابن عباس وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ) فلو كان الجميع كفارا لم يكن لوصف الذين قعدوا بالكذب اختصاص ، وكان يكون التركيب : سيصيبهم عذاب أليم . ويحتمل أن يكونوا كفارا كما قال قتادة ، فانقسموا إلى جاء معتذر وإلى قاعد ، واستؤنف إخبار بما يصيب الكافرين . ويكون الضمير في " منهم " عائدا على الأعراب ، أو يكون المعنى : سيصيب الذين يوافون على الكفر من هؤلاء عذاب أليم في الدنيا بالقتل والسبي ، وفي الآخرة بالنار . وقرأ الجمهور : ( كذبوا ) بالتخفيف ، أي : في إيمانهم فأظهروا ضد ما أخفوه . وقرأ أبي ، والحسن في المشهور عنه ، ونوح ، وإسماعيل : ( كذبوا ) بالتشديد ، أي : لم يصدقوه تعالى ولا رسوله ، وردوا عليه أمره ، والتشديد أبلغ في الذم .