" أجدر " أحق وأحرى ، قال الليث : جدر جدارة فهو جدير وأجدر ، به يؤنث ويثنى ويجمع . قال الشاعر :
نخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
" أسس " على وزن فعل مضعف العين ، وآسس على وزن فاعل ، وضع الأساس ، وهو معروف ، ويقال فيه : [ ص: 88 ] أس . والجرف : البئر التي لم تطو ، وقال أبو عبيدة : الهوة وما يجرفه السيل من الأودية . هار : منهال ساقط يتداعى بعضه في إثر بعض ، وفعله هار يهور ويهار ويهير ، فعين هار يحتمل أن تكون واوا أو ياء ، فأصله هاير أو هاور فقلبت ، وصنع به ما صنع بقاض وغاز ، وصار منقوصا مثل شاكي السلاح ولاث قال :
لاث به الآشاء والعبري
وقيل : هار محذوف العين لفرع له فتجري الراء بوجوه الإعراب . وحكى : تهور وتهير . " أواه " كثير قول أوه ، وهي اسم فعل بمعنى أتوجع ، ووزنه فعال للمبالغة . فقياس الفعل أن يكون ثلاثيا ، وقد حكاه الكسائي قطرب ، حكى آه يئوه أوها كقال يقول قولا ، ونقل عن النحويين أنهم أنكروا ذلك ، وقالوا : ليس من لفظ أوه فعل ثلاثي ، إنما يقال : أوه تأويها وتأوه تأوها . قال الراجز :فأوه الداعي وضوضأ كلبه
وقال المثقب العبدي :
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
وفي " أوه " اسم الفعل لغات ذكرت في علم النحو . الظمأ : العطش الشديد ، وهو مصدر ظمئ يظمأ فهو ظمآن وهي ظمآن ، ويمد فيقال ظماء . الوادي : ما انخفض من الأصل مستطيلا كمجاري السيول ونحوها ، وجمعته العرب على أودية وليس بقياسه ، قال تعالى : ( فسالت أودية بقدرها ) وقياسه فواعل ، لكنهم استثقلوه لجمع الواوين . قال النحاس : ولا أعرف فاعلا وأفعلة سواه ، وذكر غيره ناد وأندية ، قال الشاعر :
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
والنادي : المجلس ، وحكى الفراء في جمعه أوداء ، كصاحب وأصحاب ، قال جرير :
عرفت ببرقة الأوداء رسما محيلا طال عهدك من رسوم
وقال : الوادي كل منعرج من جبال وآكام يكون منفذا للسيل ، وهو في الأصل فاعل من ودي إذا سال ، ومنه الودي . وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض ، تقول : لا تصل في وادي غيرك . الزمخشري
( إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) : أثبت في حق المنافقين ما نفاه في حق المحسنين ، فدل لأجل المقابلة أن هؤلاء مسيئون ، وأي إساءة أعظم من النفاق والتخلف عن الجهاد والرغبة بأنفسهم عن رسول الله ، وليست " إنما " للحصر ، إنما هي للمبالغة في التوكيد ، والمعنى : إنما السبيل في اللائمة والعقوبة والإثم على الذين يستأذنونك في التخلف عن الجهاد وهم قادرون عليه لغناهم ، وكان خبر ( السبيل ) " على " وإن كان قد فصل بـ " إلى " كما قالت :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
لأن " على " تدل على الاستعلاء وقلة منعة من دخلت عليه ، ففرق بين : لا سبيل لي على زيد ، ولا سبيل لي إلى زيد . وهذه الآية في المنافقين المتقدم ذكرهم : عبد الله بن أبي ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وغيرهم . و ( رضوا ) : استئناف ، كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا في القعود بالمدينة وهم قادرون على الجهاد ، فقيل : رضوا بالدناءة وانتظامهم في سلك الخوالف ، وعطف ( وطبع ) تنبيها على أن السبب في تخلفهم رضاهم بالدناءة . ( وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) ما يترتب على الجهاد من منافع الدين والدنيا .
( يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) : ( لن نؤمن لكم ) علة للنهي عن الاعتذار ، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به ، فإذا علم أنه مكذب في اعتذاره كف [ ص: 89 ] عنه . ( قد نبأنا الله من أخباركم ) علة لانتفاء التصديق ، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد ، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم . قال ابن عطية : والإشارة بقوله : ( قد نبأنا الله من أخباركم ) إلى قوله : ( ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم ) ، ونحو هذا . و ( نبأ ) هنا تعدت إلى مفعولين كعرف ، نحو قوله : ( من أنبأك هذا ) ، والثاني هو ( من أخباركم ) ، أي : جملة ( من أخباركم ) ، وعلى رأي أبي الحسن الأخفش تكون " من " زائدة ، أي : أخباركم . وقيل : نبأ بمعنى أعلم المتعدية إلى ثلاثة ، والثالث محذوف اختصارا لدلالة الكلام عليه ، أي : من أخباركم كذبا أو نحوه . ( وسيرى الله ) توعد ، أي : سيراه في حال وجوده ، فيقع الجزاء منه عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر . وقال : ( الزمخشري وسيرى الله عملكم ) أتنيبون أم تثبتون على الكفر ، ( ثم تردون ) إشارة إلى البعث من القبور ، والتنبؤ بأعمالهم عبارة عن جزائهم عليها . قال ابن عيسى : ( وسيرى ) لجعله من الظهور بمنزلة ما يرى ، ثم يجازي عليه . وقيل : كانوا يظهرون للرسول عند تقريرهم معاذيرهم حبا وشفقة ، فقيل : ( وسيرى الله عملكم ) هل يبقون على ذلك أو لا يبقون ؟ والغيب والشهادة هما جامعان لأعمال العبد لا يخلو منهما . وفي ذلك دلالة على أنه مطلع على ضمائرهم كاطلاعه على ظواهرهم ، لا تفاوت عنده في ذلك .