قال : فإن قلت : دلت هذه الآية على أن الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو الإيمان المقيد ، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح ، والإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور . قلت : الأمر كذلك ، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل ; كأنه قال : إن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، ثم قال : ( بإيمانهم ) ، أي بإيمانهم المضموم إليه هذا العمل الصالح ، وهو بين واضح لا شبهة فيه . انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . وجوزوا ( الزمخشري في جنات النعيم ) أن يتعلق بـ ( تجري ) ، وأن يكون حالا من الأنهار ، وأن يكون خبرا بعد خبر لإن ، ومعنى ( دعواهم ) : دعاؤهم ونداؤهم ؛ لأن اللهم نداء الله ، والمعنى : اللهم إنا نسبحك كقول القانت في دعاء القنوت : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد . وقيل : عبادتهم كقوله : ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) ولا تكليف في الجنة ، فيكون ذلك على سبيل الابتهاج والالتذاذ ، وأطلق عليه العبادة مجازا . وقال أبو مسلم : فعلهم وإقرارهم . وقال القاضي : طريقهم في تقديس الله وتحميده . ( وتحيتهم ) أي : ما يحيي به بعضهم بعضا ، فيكون مصدرا مضافا للمجموع ، لا على سبيل العمل ، بل يكون كقوله : ( وكنا لحكمهم شاهدين ) وقيل : يكون مضافا إلى المفعول ، والفاعل الله تعالى أو الملائكة ، أي : تحية الله إياهم ، أو تحية الملائكة إياهم . ( وآخر دعواهم ) ، أي : خاتمة دعائهم وذكرهم . قال : أعلم تعالى أنهم يبتدئون بتنزيهه وتعظيمه ، ويختمون بشكره والثناء عليه . وقال الزجاج ابن كيسان : يفتتحون بالتوحيد ، ويختمون بالتحميد . وعن ، يعزوه إلى الرسول : أن أهل الجنة يلهمون التحميد والتسبيح . و " أن " المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن لازم الحذف ، والجملة بعدها خبر " أن " ، و " أن " وصلتها خبر قوله : ( وآخر ) . وقرأ الحسن البصري عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن يعمر ، وبلال بن أبي بردة ، وأبو مجلز ، وأبو حيوة ، وابن محيصن ، ويعقوب : ( أن الحمد ) زبالتشديد ، ونصب ( الحمد ) . قال : ودلت على أن قراءة الجمهور بالتخفيف ورفع ( الحمد ) هي على أن " أن " هي المخففة كقول ابن جني الأعشى :
[ ص: 128 ]
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
يريد : أنه هالك ، إذا خففت لم تعمل في غير ضمير أمر محذوف . وأجاز إعمالها كحالها مشددة ، وزعم صاحب النظم أن " أن " هنا زائدة ، و ( الحمد لله ) خبر ( المبرد وآخر دعواهم ) ، وهو مخالف لنص والنحويين ، وليس هذا من محال زيادتها . سيبويه