( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب ياإبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ) الروع : الخيفة التي كان أوجسها في نفسه حين نكر أضيافه ، والمعنى : اطمأن قلبه بعلمه أنهم ملائكة .
والبشرى : تبشيره بالولد ، أو بأن المراد بمجيئهم غيره . وجواب ( لما ) محذوف كما حذف في قوله : ( فلما ذهبوا به ) وتقديره : اجترأ على الخطاب إذ فطن للمجادلة ، أو قال : كيت وكيت . ودل على ذلك الجملة المستأنفة وهي ( يجادلنا ) ، قال معناه . الزمخشري
وقيل : الجواب ( يجادلنا ) وضع المضارع موضع الماضي ، أي : جادلنا . وجاز ذلك لوضوح المعنى ، وهذا أقرب الأقوال .
وقيل : ( يجادلنا ) : حال من إبراهيم ، و ( جاءته ) : حال أيضا ، أو من ضمير في جاءته . وجواب لما محذوف تقديره : قلنا يا إبراهيم أعرض عن هذا ، واختار هذا التوجيه أبو علي .
وقيل : الجواب محذوف تقديره : ظل أو أخذ يجادلنا ، فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه . والمجادلة قيل : هي سؤاله : العذاب واقع بهم لا محالة ، أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة ؟ . وقيل : تكلما على سبيل الشفاعة ، والمعنى : تجادل رسلنا .
وعن حذيفة أنهم لما قالوا له : ( إنا مهلكو أهل هذه القرية ) قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين ، أتهلكونها ؟ قالوا : لا ، قال : فأربعون ؟ قالوا : لا . قال : فثلاثون ؟ قالوا : لا ، قال : فعشرون ؟ قالوا : لا . قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك الراوي ؟ قالوا : لا . قال : أرأيتم إن كان فيها رجل . واحد من المسلمين أتهلكونها ؟ قالوا : لا ، فعند ذلك قال : ( إن فيها لوطا ) ، قالوا : ( نحن أعلم بمن فيها ) ، لننجينه وأهله . وكان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان قوم لوط ونجاتهم ، وكان في القرية أربعة آلاف ألف إنسان وتقدم تفسير حليم وأواه ومنيب . ( يا إبراهيم ) ، أي : قالت الملائكة ، والإشارة بهذا إلى الجدال والمحاورة في شيء مفروغ منه ، والأمر ما قضاه وحكم به من عذابه الواقع بهم لا محالة ، ولا مرد له بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك .
وقرأ عمرو بن هرم : وإنهم أتاهم بلفظ الماضي ، وعذاب فاعل به عبر بالماضي عن المضارع لتحقق وقوعه كقوله ( أتى أمر الله ) .