وقال أبو عبيدة والأخفش وابن قتيبة : الزلف : ساعات الليل وآناؤه ، وكل ساعة زلفة . وقال العجاج :
ناح طواه الأين منا وجفا طي الليالي زلفا فزلفا سماؤه الهلال حتى احقوقفا
( من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم ( ، لما ذكر تعالى قصص عبدة الأوثان من الأمم السالفة ، وأتبع ذلك بذكر أحوال الأشقياء والسعداء ، شرح للرسول - صلى الله عليه وسلم - أحوال الكفار من قومه ، وأنهم متبعو آبائهم كحال من تقدم من الأمم في اتباع آبائهم في الضلال .
وهؤلاء : إشارة إلى مشركي العرب باتفاق ، وأن ديدنهم كديدن الأمم الماضية في التقليد والعمى عن النظر في الدلائل والحجج . وهذه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدة بالانتقام منهم ، إذ حالهم في ذلك حال الأمم السالفة ، والأمم السالفة قد قصصنا عليك ما جرى لهم من سوء العاقبة .
والتشبيه في قوله : ( كما يعبد ) معناه : أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت ، وقد بلغك ما نزل بأسلافهم ، فسينزل بهم مثله .
( وما يعبد ) : استئناف جرى مجرى التعليل للنهي عن المرية ، وما في ( مما ) وفي ( كما ) يحتمل أن تكون مصدرية وبمعنى الذي . وقرأ الجمهور : ( لموفوهم ) مشددا من وفى ، وابن محيصن مخففا من أوفى ، والنصيب هنا قال : ما قدر لهم من خير ومن شر . ابن عباس
وقال أبو العالية : من الرزق . وقال ابن زيد : من العذاب ، وكذا قال قال : كما وفينا آباءهم أنصباءهم ، و ( الزمخشري غير منقوص ) : حال من نصيبهم ، وهو عندي : حال مؤكدة ، لأن التوفية تقتضي التكميل .
وقال : ( فإن قلت ) : كيف نصب ( الزمخشري غير منقوص ) حالا [ ص: 266 ] من النصيب الموفى ؟ ( قلت ) : يجوز أن يوفى وهو ناقص ، ويوفى وهو كامل .
ألا تراك تقول : وفيته شطر حقه ، وثلث حقه ، وحقه كاملا وناقصا ؟ انتهى . وهذه مغلطة إذا قال : وفيته شطر حقه ، فالتوفية وقعت في الشطر ، وكذا ثلث حقه ، والمعنى : أعطيته الشطر أو الثلث كاملا لم أنقصه منه شيئا .
وأما قوله : وحقه كاملا وناقصا ، أما كاملا فصحيح ، وهي حال مؤكدة لأن التوفية تقتضي الإكمال ، وأما وناقصا فلا يقال لمنافاته التوفية . والخطاب في ( فلا تك ) متوجه إلى من داخله الشك لا إلى الرسول ، والمعنى : والله أعلم : قل يا محمد لكل من شك لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ، فإن الله لم يأمرهم بذلك ، وإنما اتبعوا في ذلك آباءهم تقليدا لهم وإعراضا عن حجج العقول .
( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) لما بين تعالى إصرار كفار مكة على إنكار التوحيد ونبوة الرسول والقرآن الذي أتى به ، بين أن الكفار من الأمم السابقة كانوا على هذه السيرة الفاجرة مع أنبيائهم ، فليس ذلك ببدع ممن عاصر الرسول ، وضرب لذلك مثلا وهو : إنزال التوراة على موسى فاختلفوا فيها .
والكتاب هنا : التوراة ، فقبله بعض وأنكره بعض ، كما اختلف هؤلاء في القرآن . والظاهر عود الضمير فيه على الكتاب لقربه ، ويجوز أن يعود على موسى عليه السلام .
ويلزم من الاختلاف في أحدهما الاختلاف في الآخر . وجاز أن تكون ( في ) بمعنى ( على ) ، أي : فاختلف عليه ، وكان بنو إسرائيل أشد تعنتا على موسى وأكثر اختلافا عليه .
وقد تقدم شرح ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) والظاهر عود الضمير في بينهم على قوم موسى عليه السلام ، إذ هم المختلفون فيه ، أو في الكتاب . وقيل : يعود على المختلفين في الرسول من معاصريه .
قال ابن عطية : وأن يعمهم اللفظ أحسن عندي ، وهذه الجملة من جملة تسليته أيضا .