( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ) : قال وجماعة : معناه : استقم على القرآن ، وقال ابن عيينة الضحاك : استقم بالجهاد ، وقال مقاتل : امض على التوحيد ، وقال جماعة : استقم على أمر ربك بالدعاء إليه ، وقال : استقم في الإخبار عن الله بصحة العزم ، وقال جعفر الصادق : فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها . الزمخشري
وقال ابن عطية : أمر بالاستقامة وهو عليها ، وهو أمر بالدوام والثبوت . والخطاب للرسول وأصحابه الذين تابوا من الكفر ولسائر الأمة ، فالمعنى وأمرت : مخاطبة تعظيم ، انتهى . وقيل : استفعل هنا للطلب ، أي : اطلب الإقامة على الدين ، كما تقول : استغفر ، أي : [ ص: 269 ] اطلب الغفران . ( ومن تاب ) : معطوف على الضمير المستكن في فاستقم ، وأغنى الفاصل عن التوكيد .
( ولا تطغوا ) : قال : في القرآن فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به . وقال ابن عباس ابن زيد : لا تعصوا ربكم . وقال مقاتل : لا تخلطوا التوحيد بالشك . وقال : لا تخرجوا عن حدود الله . وقرأ الزمخشري الحسن : ( بما يعملون ) بالياء على الغيبة ، ورويت عن والأعمش عيسى الثقفي بصير مطلع على أعمالهم يراها ويجازي عليها .
( وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) : قال : معنى الركون : الميل . وقال ابن عباس السدي وابن زيد : لا تداهنوا الظلمة .
وقال قتادة : لا تلحقوا بهم . وقال سفيان : لا تدنوا إلى الذين ظلموا . وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم ، وقيل : لا تجالسوهم ، وقال : ( جعفر الصادق إلى الذين ظلموا ) : إلى أنفسكم فإنها ظالمة ، وهذا شبيه بتفسير الباطنية . وقيل : لا تتشبهوا بهم . وقرأ الجمهور : ( تركنوا ) بفتح الكاف ، والماضي ركن بكسرها ، وهي لغة قريش . وقال الأزهري : هي اللغة الفصحى .
وعن أبي عمرو : بكسر التاء على لغة تميم في مضارع علم غير الياء . وقرأ قتادة وطلحة والأشهب ، ورويت عن أبي عمر : وتركنوا بضم الكاف ماضي ركن بفتحها ، وهي لغة قيس وتميم ، وقال الكسائي وأهل نجد : وشذ يركن بفتح الكاف ، مضارع ركن بفتحها .
وقرأ : ولا تركنوا مبنيا للمفعول من أركنه إذا أماله ، والنهي متناول الانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ، ومجالستهم ، وزيارتهم ، ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم . وتأمل قوله : ( ابن أبي عبلة ولا تركنوا ) ، فإن الركون هو : الميل اليسير . وقوله : ( إلى الذين ظلموا ) ، أي : الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل : الظالمين ، قاله : . الزمخشري
وقال ابن عطية : ومعناه : السكون إلى الشيء والرضا به . قال أبو العالية : الركون : الرضا . وقال ابن زيد : الركون : الإدهان ، والركون يقع في قليل هذا وكثيره .
والنهي هنا يترتب من معنى الركون عن الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب ، من ترك التعيير عليهم مع القدرة ، والذين ظلموا هنا هم : الكفرة ، وهو النص للمتأولين ، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي ، انتهى . وقال : في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون الملوك . وسئل سفيان الثوري سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا . فقيل له : يموت ، فقال : دعه يموت . وفي الحديث : من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه ، وكتب إلى حين خالط السلاطين أخ له في الدين كتابا طويلا ، قرعه فيه أشد التقريع ، يوقف عليه في تفسير الزهري . وقرأ الزمخشري وعلقمة ابن وثاب والأعمش وابن مصرف وحمزة فيما روي عنه : ( فتمسكم ) بكسر التاء على لغة تميم ، والمس : كناية عن الإصابة . وانتصب الفعل في جواب النهي ، والجملة بعدها حال . ومعنى من أولياء : من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه . ( ثم لا تنصرون ) ، قال : ثم لا ينصركم هو لأنه وجب في حكمته تعذيبكم ، وترك الإبقاء عليكم . ( فإن قلت ) : ما معنى ثم ؟ قلت : معناها الاستبعاد ، لأن النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب وقضاء حكمته له ، انتهى . وهي ألفاظ الزمخشري المعتزلة .
وقرأ : ( ثم لا تنصروا ) بحذف النون ، والفعل منصوب عطفا على قوله : فتمسكم ، والجملة حال ، أو اعتراض بين المتعاطفين . زيد بن علي